الجبرية عقيدة منتشرة!
لو سألنا في المنطقة العربية كم حزبًا سياسيًا موجود بصورة فاعلة منذ 90 سنة؟ تسمع بسهولة: هم لا يسمحون لنا، رغم أنه قد كان هناك أحزاب كثيرة محظورة في العالَم، ومع ذلك كانت موجودة وفعَّالة في روسيا القيصرية مثلًا، استطاعت أن تغير تاريخ روسيا إلى مرحلة الاتحاد السوفيتي، وهو أمر لا يستهان به، وحين سقط الاتحاد لم تتحول الجمهوريات (وهو أمر لا يقل أهمية) إلى قبائل متصارعة، ومليشيات بأسلحة كلاشنكوف تتنقل على سيارات دفع رباعي!
حسن، يمنع عليك أن تؤسس حزبًا، ماذا عن الكتابة؟ لا يسمحون لنا! يا صديقي هل تعلم كمية الكتب التي ألفها أصحابها في العالم وكانت محظورة حينًا من الدَّهر؟ الزنادقة في تاريخ الإسلام خشوا على أنفسهم فكتبوا بالرموز، صار بعضهم من الفلاسفة، النصارى كيوحنا الدمشقي في عزِّ قوة المسلمين كتب باليونانية لتفادي الرقابة نقدًا للإسلام! الناس تجد الطرق للقول، حتى في المنع، هل ترى كم من القوانين تعدَّلت وكانت يومًا ما مختلفة كان العمل يشمل الأطفال 12 سنة، كانت ساعاته 17 ساعة يوميًا، ومع ذلك كان تغييرها قد استدعى نضالات طويلة من الشعوب؟
حسن الكتابة في موضوعات لا سياسية، تهمنا للانتقال عن الحالة المريعة في الجوانب التي تمس الانفتاح على العلوم والتفكير بمنطقها، تاريخنا وأنماط تفكيرنا؟ كل شيء تجد فيه جوابًا: لا أستطيع شيئًا، في حين تجده يشجع أحزابًا وتنظيمات وفصائل كانت محظورة، يهفو قلبه لأمور لا يفعلها هو ويلتزم ألا يفعلها، ولو قيل له لم لا تكون لك تجربتك، في جانب الممكن، جانب بعيد عن السِّياسة يا أخي، يقول: لا يسمحون، أو يوزِّع لطمياته عن النظام العالمي والكوكب، وتفهم بهذا ما الذي يريده!
يريد من أثرياء الكوكب أن يمولوه، وعباقرة العالم أن يفكروا عنه، وجيوش العالَم أن تحارب عنه، ومصانع العالم أن تسلحه، ومزارع العالم أن تطعمه، ثم يقال له: تعال وقدنا يا أخي أنت أستاذ العالم، أنت بقيت في البطالة لسنوات وجزاؤك أن تكون رئيسًا، هي عقلية جبرية وتسويغية لكل الكسل والخمول والبطالة والجبرية، على أنَّ الناس وقت أزماتها تفكر أكثر، تقرأ أكثر، حتى إنَّ جسم الإنسان نفسه وقت التوتر الحاد يفقد القدرة على الاستماع إلى الموسيقى مثلًا لكنَّه يقدر على العمل أكثر، لأنه ضرورة حيوية، وهذا لا يزال: لا يسمحون، لا يمولون، لا يريدون، يذكرني بمقطع شاهدتُه قريبًا، يقول صاحبه: أنا مواطن عربي!