لقد افتضح العالم!

هذه الجملة يعدها قائلوها أعظم مواساة لخيباتهم السياسية، مع أن العالَم لم يكن يومًا مستترًا حتى تقولها، طالمًا كان شرهًا، جشعًا، مجاهرًا، حدَّ الفظاظة والوقاحة والعري، فلا أعلم ما الذي جعلك تلتزم طويلًا بغض البصر! ما أعرفه أنَّ تلك الغشاوة ليست ذات بال حتى تجعل ما حدث ويحدث ثمنًا لها!

ولا يختلجن في بالك ما تردده عن الأوروبيين الذين هتفوا بما تحب، فأوروبا تعلِّمك لو أرادت ما تود إيصاله لها، فهي التي لم تكتف بسطور (تاجر البندقية) في القرن السابع عشر حتى مثَّلته لك في القرن الواحد والعشرين، وتفنن أل باتشينو بتصوير كل ما تود قوله لسنوات قادمة.

فلم يفتضح شيء قدر الواقع العربي الذي لم يختلف فيه كلام اللواء والعقيد والعميد وباقي الرُّتب المتقاعدة عن الحلَّاق وهو يجامل الزبائن، ولم يختلف فيه حال أولئك الذين حبسوا أنفسهم سنوات بحجة المعرفة والثقافة وطلب العلم في صياغة نظرياتهم، ثم أنتجوا ما يماثل النظريات التي سلقت كالبيض في دقائق ورددها أصحابها ممن سمعوا بحدث سياسي وتفاعلوا معه لأول مرة في حياتهم في المقاهي، والأسواق!

ما افتضح ليس ازدواجية المعايير الأخلاقية الغربية، فمنذ القرن التاسع عشر أعلنها نيتشه عن عالَم لا أخلاقي، بل عن ازدواجية الكائن الأخلاقي الذي منَّ على الكوكب بوجوده، وكان كلامه عن المقدَّسات يزداد طرديًا كلما ابتعد عنها، ومتى سلم من الشرر كادت كلماته تحرق قارئيها!

فلست بحاجة للحديث عن العالَم بقدر النظر في المرآة، ومشاهدة ذلك الذي ذكر في فراغه المآسي، ثم إن طرب لحدث آخر قفز كأعظم نشوة، كأنه لم يشهد مأساة قط، ومستعد أن يبقى على هذه الحال، بالتنقل بين فصول الدّراما ما بين فرح وحزن وبكاء وانتشاء دون أن ينقد نفسه مرة، أو يقع في الشك بمنظاره، وما تعلمه، وما حلله، وما استنتجه، وما استنبطه!