الاستعلاء الثقافي العلماني العربي

لا يزال العديد ممن ينتسبون إلى العلمانية في المنطقة العربية يمارسون الاستعلاء الثقافي، بمعنى أنَّهم مع كلِّ كارثة يسعون إلى جعلها حكرًا ومخصصة لغيرهم على اعتبار أنها نتاج (أبناء التراث)، أما هم فأبناء لأوروبا وهذا الاستعلاء هو جزء أساسي من عدم المساهمة الفعالة لهم في المنطقة فكريًا وثقافيًا بل المساهمة في انحدار الأمر.

فقد اعتقدوا أنَّ رسالة (التنوير) تكون بالاكتفاء بإظهار التقزز من فلاحي المنطقة وطرقهم في التفكير، ومن بينها ذلك التفكير الذي علَّبوه بخانة (الغيبي)، فما الدراسات الحقيقية التي قدموها داخل النسق العربي الثقافي لا تكاد تجد شيئًا ذا بال، وإن قدَّموا شيئًا ففي إطار الترجمة وما دار في فلكها، وما ذلك إلا لاعتقادهم بأنَّ الحل يكمن في عمليات نسخ ولصق لا نهائية عن غيرهم، دون اعتبار منهم إلى كونهم ظلَّوا أبناء المنطقة حتى بطرق تفكيرهم.

لقد فقدوا حتى مفاتيح فهم تاريخهم وتراثهم وسبقهم إلى مجالات التراث مستشرقون، فما الفائدة في أن تضيف بحثًا عن هايدغر وهو ليس داخل النسق الفكري العربي على جانب التأثير الفكري في المنطقة، لا على صعيد التنظير الإنساني المجرد وبالأخص في السياق الأوروبي، ويمكن الاستفادة لكن الواعية لا العمياء والمنسلخة.

إنَّ هذا الاستعلاء جعلهم لا يكتشفون مقدار التراثية اللا مفكر فيها داخل خطاباتهم، فحين تخالف أمرًا بلا وعي كافٍ لا تفطن إلى الاحتكام بلا وعي إلى كثير مما ترفضه، وقد اضطروا مرارًا إلى كتابة في تاريخ المنطقة ثم لم يكونوا سوى أسرى لما تلقوه من خطابات تقليدية، فالشيوعي العربي مثلًا الذي كان من أصل شيعي وجد أمثلته في الحسين وقراءته التاريخية لم تكن تختلف عن معمم في (قم) قبله بقرنين، سوى في حذف روايات الكليني والطوسي.

ومنذ السَّبعينات فضحت الحرب الأهلية اللبنانية الحالة العلمانية في المنطقة إذ توزعت كما لا تزال إلى اليوم العلمانيات بناء على الطائفة الدينية والمذهبية، وحين يتم الحديث عن التراث فهو معنى أوسع من معتقد شخصي، إنه تعريف للهوية القومية، وقراءة للتاريخ، والأسباب التي أوصلت الناس من أمس إلى اليوم، طريقة تفكير متوارثة لم يتم فرز ما فيها بل الادعاء بأنَّه تحول إلى غيره بكلمات لا تحوي كبير معنى.