في العقل السِّياسي
وظيفة السياسة تحقيق مصالح من تمثلهم وفق سقف محدد ومرحلي وفق الممكن، هكذا تعمل الدول، فعندها كلُّ اتفاق وضع في توقيت هو لاغٍ في آخر عند اختلاف الموازين، قد يكون لوقف انهيار أحيانًا فلا يلزم أن يكون دومًا لتحقيق تقدم، لذا فهي مليئة بالتورية وما الحرب والدبلوماسية سوى أدوات لها، وهذا نموذج معين حتى لا يدور الكلام في التجريد لا الوقائع.
في ١٩٤٨ وافقت القيادات الصهيونية رسميًا على ما سمي بخطة التقسيم التي طرحتها الأمم المتحدة، وهي تعطيهم ٥٥٪ من الأراضي الفلسطينية، ومع ذلك لم يكونوا يريدون هذه الخطة بل أكثر، قال بن غوريون حينها: “يرفض العرب التقسيم، لذلك ستحدث الحرب، وفي الحرب سوف تغير الحدود”.
لقد كانت الخطوة السياسية العربية حينها محترقة، تفكر بمنطق الحقوق كأنها في محكمة، لا وفق منطق الموازين في حلبة السياسة وكانت مواقفهم معروفة سلفًا للخصم، ويستطيع أن يبني عليها سياسة لصالحه، في موقف يختصره آلان غريتش: “كانت القيادة الإسرائيلية بارعة دومًا على الصعيد التكتيكي الدولي، يعرفون في العمق كيف يعمل نظام الشَّرعية الدولية، يعرفون دائمًا كيف يقولون: نعم! حين يقصدون لا، بينما يقول الفلسطينيون: لا وهم يفكرون في نعم”!
هو الفرق بين السياسة وبين الخطابات الداخلية (الشعبوية) التي هدفها تسجيل المواقف، ورفع الشعبية، فالسياسة مرتبطة دومًا بنتيجتها الموضوعية، لا وفق ما يكره الكاهن من ربط السبب والنتيجة، فلا يهم ما يقال بل ما الذي ينفذ في النهاية، لا يهم الصفعة الأولى بل ما النتيجة النهائية، في الحالة الجزائرية اتخذت فرنسا من حادثة صفعة قنصلها بالمروحة في قصر (الداي) سنة ١٨٢٧ ذريعة دعائية لاحتلالها، فمهما قيل من قصائد في شجاعة الداي وأنه أهان القنصل بالمروحة، يبقى المهم هو النتيجة.
لقد كانت المنظمات الصهيونية تتميز غيظًا على (فولك برنادوت) الذي قدم مقترحًا سياسيًا، فتم اغتياله سرًا فتبنت العملية إحدى المنظمات العربية! وهنا شعر بن غوريون بالغبطة لهذا الموقف وافتخر في مذكراته أنه يعرف المنفذ: إسحاق شامير، وهكذا فالسياسة دومًا مرتبطة بالنتائج، لا بمقدار التبجُّح، وإظهار التشنج ولو أدت إلى تضييع من تعول!