شرعيون يحتاجون إلى إعادة تأهيل
لا يفطن كثير من النَّاس إلى التغيرات التي حدثت وتراكمت حتى في نظرتهم إلى التراث الإسلامي، وكثير منهم يحملون شهادات تخصصية، لكن معنى التخصص في الكليات الشرعية ليس قريبًا من كليات الطب مثلًا بخلاف دعاية المؤسسات الرسمية، فقد نشأت ألقابها محاكاة للكليات التي أشرف عليها (الاحتلال) في المناطق العربية في القرن التاسع عشر، لعلوم أوروبية النشأة مثل الجغرافيا الحديثة، والتاريخ الحديث، والفيزياء والكيمياء إلخ، فتحولت الكتاتيب وحلقات (طلب العلم الشرعي) إلى محاكاة لتلك القطاعات التعليمية الأوروبية، فتم تحديد مدة زمنية للدراسة وكتب تنتهي بتوزيع الألقاب وفي البداية كان المدرسون أنفسهم ممن تلقى تعليمًا تقليديًا سابقًا على النظامي، دون أي تطوير كبير في المناهج عن العصر العباسي، سوى بطرق العرض فقط، على أي حال هذا موضوع آخر.
في القرن العشرين وبعد سقوط الناصرية كان هناك دمج لخطاباتها في النظر إلى الفقه الشرعي، فشحنت دلالاته بمضامين لا علاقة لها بالفقه كما هو، ومن ذلك النظر إلى التقسيم المعلوم عن القتال إلى (الدفع/الطلب) وتفسير الدفع على أنه داخل الحدود السياسية لدولة، والطلب شرعًا يكون بالقتال خارج الدولة، وهذا هراء لا علاقة له بالفقه، فقد شحنوا مفهوم الدفع بالقول بأنه لا يشترط له العدة ولا الإذن فتخرج المرأة دون إذن زوجها ونحو ذلك، ولا يفطنون إلى أنَّ الدفع والطلب متعلق بفعل المكلف، لا بالحدود السياسية، فما دام المسلم هو المقصود من العدو فحينها قالوا: ذلك دفع وإن قصدَ العدو صار طلبًا، ويمثل الفقهاء على ذلك بالحِصن إن قصده، فهو طلب، حتى لو كان داخل الحدود السياسية، بخلاف جمع قصد المسلمين فذلك دفع، وهذه دلالته الأصلية، أما ما شحن به من مضامين حداثية تتعلق بأنَّه إذا وجد شبر كان إسلاميًا ثم سقط فهذا يعني أنه (دفع)، وعلى هذا تصبح أرمينيا، وإسبانيا والبرتغال، ينطبق عليها كلام الفقهاء في الدفع، فهذا لا علاقة له بالفقه، لكنَّ بعض المتحدثين باسم الفقه اليوم لا يختلفون كثيرًا عن المضامين الناصرية سوى بالشَّكل وطرق العرض على هيئة إعلان التخصصات!