السِّياسة ليست حضرة صوفية!

جزء مفصلي من التصوف الانفصال عن الواقع، وترديد قصص من عينة أنَّ الفضيل بن عياض ضحك في جنازة ابنه، فسئل عن ذلك فقال هو الرضا عن الله! هذه القصص وأمثالها عززت التلذذ بالألم، والضحك في الفجيعة، والغناء على الأنقاض! وليس هذا ما كان من الأنبياء ولا أصحابهم، بل المصيبة اسمها مصيبة، والعين تدمع والقلب يحزن، أما تلك البلاهة التي تقلب الأمر الإنساني تمامًا، وتجعل الزغاريد عند المصائب، وتقدِّم خبر التعزية بالقول (نَزُفُّ) فتلك تصلح للحضرات والفناء عن الواقع، ومطالبة الإنسان ألا يكون إنسانًا.

لا حضارة في التاريخ قامت دون واقعية، حتى الأنبياء وسيرتهم معلومة، لم يخض موسى بأخيه إلى الموت ثم طالب بالوقوف معه، بل قال: (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) ولم يخض لوط نزالًا يقضي عليه ومن آمن معه بل كان بين الضررين يفضِّل الأقل ضررًا منهما، لا ينتظر الكارثة التامة وهو يخاطب الناس بأن الواجب الإيمان به، بل قال لقومه: (قال يا قومِ هؤلاء بناتي هنَّ أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي)، والقرآن مليء بتسمية الأشياء باسمها: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) فانظر إلى هذا الوصف الذي يرصد الواقع في ذلك الزمن، ولا تجد معترضًا حينها بصرخات (صوت العرب)، لتصيح بالعزة وتأنف من تسمية الضعف باسمه.