ما ميَّز الكتابة العربية في القرن العشرين بنسبة كبيرة أنها طرقت دومًا سؤال الهوية، من نحن؟ وإلى جانب هذا ميزها أنها كانت ارتجالية إلى حد كبير، عاطفية، أدبية، فالتيارات القومية مثلًا لم تقم بتنظير كبير حتىى يمكنها من رؤية ذاتية، بقدر ما دمجت بين الشعارات الاشتراكية، ونوعًا ما القومية الألمانية التي سمعوا بها في القرن العشرين، كان السادات مثلًا مغرمًا بألمانيا في مرحلة شبابه، وكان عبد الناصر مغرمًا بالشعارات الاشتراكية التي تعرف عليها من كتابات نجيب محفوظ الأدبية، ولن ينجح الزج بأفكار لم تنبت من المنطقة بطريقة لا تتسق مع النسق الثقافي والحضاري العربي والإسلامي، وحتى الكتب السابقة التي ركزت على فكرة العرب كانت أدبية إلى حد كبير مثل سطور الكواكبي.

والشيء نفسه في التيارات الإسلامية، فقد انطلقت من مسحة عاطفية عززها فشل من سبقها في التعبير عن مطالب الناس، وتحقيق طموحاتهم، وتجاهل التيارات السياسية الفاعلة لجانب الدين، وهكذا كانت البدايات عاطفية أدبية، فيؤسس جماعة كبرى شاب في مقتبل العمر، دون خبرة كبيرة في الحياة وتتوسع الجماعة وأفكارها تبعًا للمرحلة، والواقع أنَّ الهالة العلمية والمعرفية تنشأ بعد ذلك من التحاق عدة خبرات إلى الجماعة، مثل التحاق أزهريين بحسن البنا، أو الهضيبي وهو رئيس محكمة استئناف، وهكذا يهدي هؤلاء سمعة ما نالوه خارج الجماعة إلى المجموع دون أي طريقة لنقلها داخلها، وكل هذا لا يغير أساس هويتهم العاطفية والارتجالية بما يكون له آثار على المدى البعيد.

ويبقى تحديد الهوية مرتكزًا على تحقيق كشف أو تجديد في العلوم التي يرتكز عليها التنظير في هذا الجانب، ومن ذلك التاريخ، فهو منطقة لا يكاد يوجد فيها أي تغيير، نظرتنا عن ماضينا-في الوضع الحالي-ليس فيها سوى تفاصيل مع المحافظة على الخط العام المتوارث، ويكفي أن يجمع الباحث نقولاته عن الكتب القديمة حتى يتخرج من الجامعة ببحث يردد سردية متوارثة بزيادة تعقيد أكاديمي وطريقة عرض حديثة، سيما أنَّ التاريخ كان ضمن المواضيع التي لم يقع فيها تجديد أو لم ينظر إليها على أنها مهمة في عملية التحديث التي بدأت في المنطقة قبل قرنين، فتم التركيز على الجغرافيا، والرياضيات وعلوم الفيزياء والكيمياء والطب ونحوها، وبقيت الهوية تعاني من التأسيس العاطفي كونه لم يحدث تجديد علمي في أرضية البحث فيها، ومن ذلك التاريخ.