أيدلوجيا صَّماء

حينما تطرح فكرةٌ أنه لا وقت لديها لسماع التنظير وتنظر إلى العمل فقط تكون (أيدلوجيا صمَّاء) بمعنى أنه لا يمكنها أن تخاطِب أحدًا ولا تخاطَب من أحد، بل مكانها العمل ومضمارها الجهدُ فقط، فهي تقول ضمنًا: لا أريد ما يسمى بالمتعاطفين إذ طالبتهم بالعمل! بل تنظر إليهم كجنود تلقوا أمرًا، فلا مكان في سربهم لمستلقٍ يرمق الباقين ويقول ناصرتهم بجَناني! فلا هو محسوبٌ عليها ولا على مخالفيها، بل هو صنف ثالث، لا وجود لشخصه متى انقطع الإنترنت!

صنف لا هو مؤمن بتلك الفكرة، ولا معارض لها، لا يأمر بها ولا تسوؤه بل متابع لفيلم، والآثار الدرامية تلقي بآثارها العاطفية، فتارة يوزع الشتائم، وأخرى بالملامة، وما بينهما بالفخر والحماسة، ومكاسبه بين الجولات عظيمة فقد قويت قريحته الأدبية، فلعله يصدر ديوان شعر ولربما رواية، إذ لم يعرف أبدًا أنَّ الدمعَ هو الإنسان! حتى إذا تعب دفسَ رأسه في لحافه لينام ليله الطويل، هذا الصنف أخرسته تلك الأيدلوجيا حين قالت له: توقف عن الحديث! وتفضل إلى العمل الذي نخرَ إيمانك به-وفق ادعائك-اللحم والعظام، لكنَّه يراه خطابًا لا يصلح له ولا لأمثاله، فما هو حينها إلا ككومة تراب وضِعت في مكانها كَرها، تذروها الريح جبرًا، مكانه الثرثرة ومن لا يشارك بالمغرم، سيعدُّ نفسه غانمًا ولو بالسَّلامة.

مهما عمَت الأيدلوجيا صاحبها فإنَّ الجانب العملي يجعله شريكًا في الواقع بحيث لا يستطيع أن يجحده، لكنَّ ذلك الثرثار يسهل عليه بجرَّة قلم أن يجحد الواقع متى طاب له، فما مقدار احتراقه بنار لا يضع يده فيها؟ هو من صِنفِ من يلهج بذكر الحسين، وقد بعث إليه ببيعته من الكوفة، ثم قام يلطم عليه ولا يخرج إليه! فلا هو طبَّق فكرة يزعم انتسابه إليها، ولا سكت، بل نافق حد انقسامه إلى وجهين، واحد يزمجر في مواقع التواصل، وآخر يوزع به ابتساماته في جلسات النقاهة، لا يود سماع كلام فعنده انتهى وقت الكلام، ولكنَّه لا يطيق غيره.