تاريخيًا بعد الهزائم والكوارث تندفع الأقلام داخليًا، كان الغزالي يكتب (إحياء علوم الدين) وسلَّط نقده على ما رآه من تراكم أغلاط وآفات فتحدث في مقدمة كتابه ناقدًا المتكلمين، والفقهاء، وكان يكتب في ظرف تتابع سقوط المناطق الإسلامية بيد الصليبيين، ومنها سقوط القدس ٤٩٥ هـ، وكان لكتابه تأثيرٌ كبير فيما بعد، في صقل الهوية نحو التصوف، فكتب:

“وأما الخلافيات التي أحدثت في هذه الأعصار المتأخرة وأبدع فيها من التحريرات والتصنيفات والمجادلات ما لم يعهد مثلها في السَّلف فإياك وأن تحوم حولها واجتنبها اجتناب السُّم القاتل فإنها الداء العضال وهو الذي ردَّ الفقهاء كلهم إلى طلب المنافسة والمباهاة على ما سيأتيك تفصيل غوائلها وآفاتها وهذا الكلام ربما يسمع من قائله فيقال: الناس أعداء ما جهلوا فلا تظن ذلك فعلى الخبير سقطت، فاقبل هذه النصيحة ممن ضيع العمر فيه زمانا وزاد في على الأولين تصنيفًا وتحقيقًا وجدلًا وبيانًا ثم ألهمه الله رشده وأطلعه على عيبه فهجره”.

وكتب عن الكلام نحو هذا فقال: “وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أنَّ الناس أعداء ما جهلوا فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب نوع الكلام وتحقق أنَّ الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود”.

ثم صار الغزالي مادة للنقد فيما بعد، نقده ابن العربي، وابن الجوزي، وغيرهما وبعد اجتياح التتار بغداد كان الموعد مع نقد كثيف من ابن تيمية لمجمل المعارف السابقة، ومن بينها الغزالي نفسه، وأكثر الشخصيات المعروفة اليوم مثل السبكي، والمزي، وابن تيمية، وتلاميذه وأشهرهم ابن القيم، ابن كثير، والذهبي وغيرهم من تلك المرحلة، وليس الحديث هنا عن موضوع الأفكار النقدية، بل عن مبدأ النقد الداخلي الذي يشتد مع هجمات خارجية ونتائجها.