الترقية استدرارٌ للتضحية

في الحرب العالمية الثانية وقعتْ ألمانيا في خطأ استراتيجي، إذ فتحت جبهتين في وقت واحد، وهو ما كان يحذر منه زعيمها قبل توليه السُّلطة، فخاضت الحملة (بربروسا) على الاتحاد السوفيتي في وقت قتالها لبريطانيا، وغرَّها أنّّ بريطانيا في وضع دفاعي لا هجومي، لكنَّها لم تحسم جبهتها معها، فغرقت القوات الألمانية في ستالينغراد واستمرت بقتال يومي متواصل ٢٠٠ يوم، بكلفة بشرية بمعدَّل ١٥٠٠ قتيل يوميًا في صفِّ القوات الألمانية، و٢٥٠٠ في الجانب السوفيتي، ولم تجد القيادة الألمانية وسيلة لإيصال الإمداد وتأمين القوات التي تحارب في قلب مناطق الدب الأحمر، وهذا معناه تطويق القوات وسحقها على المدى الاستراتيجي، فتجمَّد الجنود الألمان، وعانوا نقصًا في مختلف ضرورات وجودهم، فماذا فعلت القيادة وأمامها تقارير ازدياد الوضع سوءًا في الجبهة؟ قامت بترقية الضابط المسؤول (باولوس) إلى مارشال! كانت رسالة ضمنية له أن يكمل مهمته القتالية حتى النهاية، لا أوامر بأيِّ مناورة بل ترقية، فالترقية والمديح المفرط تعني المطالبة بأفعال مفرطة، حينما تمجد شخصًا فوق البشر لا يعني هذا سوى أنك تقول له سيخيب ظنك فيه إن تصرَّف كباقي البشر! في النهاية لم يخترق باولوس سقف التوقعات البشرية.