الإرث القديم

يصعب التخلص من موروث مرحلة بسهولة، فليست الأنظمة السياسة مجرد هيكل ومؤسسات، بل تشمل تعليمًا، وممارسة، وتعاملًا، أو قل: ثقافة بالمفهوم الواسع، تلك التي لا يمكن ملاحقتها بالهراوات، ولا قوانين المحاكم، بل تعيش بين الناس وهي التي تولت تنظيم تفكيرهم وحياتهم لعقود، إما أن تزاحمها ثقافة بديلة أو تبقى القديمة حية.

هذا الذي تثبته التجارب الواحدة تلو الأخرى، ومع سقوط سيطرة الكنيسة في روسيا وقيام نموذج لدولة ملحدة في بداية القرن العشرين، تم استبدال ثقافة الأيقونات المسيحية بأيقونات ستالين، وكثيرة هي الأنظمة السياسية التي سقطت وبقي في شعوبها منطقها، وطريقة تفكيرها وممارساتها.

إذ تركِّز الأنظار على تغيير القوانين، واستبدال الأعلام والشعارات، وتغفل عن ضرورة استبدال نمط التفكير، ذلك الذي يبقى أثره بعد سقوط نظام سياسي، وكم من قوم هم أشبه ما يكونون بما مضى من حكّامهم، وإن كانوا لم يتولوا منصبًا ولا طمحوا له، بل لعلهم معارضون، لكنهم وجه آخر لمن سبق بثقافتهم وتفكيرهم.