مطالبون بالفعل لا النصر
هذه الجملة شائعة جدًا، وهي تعبِّر عن أزمة متوارثة، وتتبع تصورًا قديمًا يعود إلى الكلام الأشعري بانعدام التأثير من الأسباب، وقد خرجت في الأساس من رحم نقاشات بين المعتزلة والأشعرية، حين أكد الأشعرية على أنَّ الله هو المؤثر الوحيد في العالَم.
رغم أنَّ هذه الجملة توحي بالتناقض، كأنَّ العبد له سلطان على فعله لا نتيجته، ولا علاقة هنا بين الفعل والمفعول، رغم أنَّ الفعل المتعدي ما فُعل إلا للنتيجة، لكنها تنفي العلاقة بين السبب والنتيجة، والمقالة الأشعرية نفسها تنفي علاقة التأثير بين إرادة العبد وفعله كما هو معلوم ونتيجة ذلك وقعوا في الجبر.
وكان الأصوليون حتى ممن تابعوا الأشعرية قد التفتوا إلى أنَّ الأحكام الشرعية فيها ما حرص على النتيجة، مثل إطعام الجائع، وقالوا هنا الخطاب الشرعي متعلق بالإطعام بقطع النظر عن فاعله، وهو ما عرف بالواجب الكفائي، وفي هذا الباب يلمح الشاطبي أنَّ الفروض الكفائية لا يخاطب فيها الجميع ثم يراد بها بعضهم كما في تجوُّز عبارة بعض الأصوليين، بل يخاطب فيها من فيه الكفاءة ليحقق المقصد منها، مثل إنقاذ غريق، لا يخاطب فيه من لا يحسن السِّباحة، إنما ينحصر الخطاب للقادرين على الإنقاذ فالغرض تحصيل النتيجة، وإن تجنَّب هذه العبارة من تجنَّبها من الأشعرية وقالوا الغرض تحقق الفعل وتجنبوا الحديث عن المفعول.
وقد لمح الغزالي أنَّ سياسة البلدان كطب الأبدان، والطب كما هو معلوم يحتكم إلى التجربة، ومدار رحاه النتيجة بحفظ صحة الجسد، وكل وسيلة لا تحقق هذا بل تنقلب إلى نقيضه تخرج عن مسار الطب، وبهذا يظهر أنَّ المقالة القائلة بعدم تحقيق النتيجة وانحصار الأمر بالفعل غير صحيحة وهي تصوُّر لا سببي، وجبري في خاتمته، والواقع أنَّ كلَّ المعاملات إنما وضعت لمقاصد تسعى لتحقيقها، أما فصلها عن نتائجها فيحولها إلى تعبد محض.