اللا عقلانية، تسمي كل ما لا يتفق معها (لا دينية)!
قبل أن يعرَّب مصطلح العلمانية، كان البخاري قد روى في صحيحه عن عمر بن الخطاب أنه سأل جمعًا من الصحابة عن آية فقال: فيمَ ترون هذه الآية نزلت؟ قالوا: “الله أعلم”، فغضب عمر فقال: “قولوا نعلم أو لا نعلم”!
هذا في سؤال في موضوع ديني، لم يرضَ فيه هذا القول فهو يسأل البشر أنفسهم فإما أن يعلموا أو يجهلوا، ويخيل إليك أنَّ هذا الجواب لو ألقي على معاصر من (يسار ما بعد الحداثي المتأسلم) لقال على عجل: هذه علمانية هذا كفر!
وحين يُسأل بعض الناس عن تحليلاتهم وترجيح احتمال على آخر إما أن يعلم أو لا وفق طرق العلم، ولا يوجد مجتمع بشري لم يتمسك بالأسباب فلا قيام له دونها، وأي تحليل لا ينطلق من الوقائع، ويحيل إلى الله رأسًا يبتكر بناء على مشاعره التي يحسبها الواسطة الإلهية التي يعبِّر بها عن حالة موضوعية منفصلة عنه، حتى تتحول المسألة إلى التعلق بالممكن، وبمطلق القدرة الإلهية، على وزن ما قيل:
فسلِّم فالقديم بذا قدير***وإن جاء الحديث به ضعيفًا!
على أنَّ القدرة الإلهية تتعلق بها كل الممكنات، ما تحب وما تكره، ويأتي من يجعل مشاعره حكمًا وهو الذي تلقى ما يفصلها عن الوقائع ليندفع نحو اتهام كل من لم يشاركه فرحته الذاتية، رغم أنَّ الأنبياء أنفسهم كانت مشاعرهم ترتبط بالوقائع، (حتى إذا استيئس الرسل) هذا ومعهم وعد إلهي بعينه، وفي صحيح البخاري كذلك “أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا” فلم يقبل تنزيل وعد مخصوص على سنة بعينها، فكيف ولا وعد مخصوص لأقوام معيَّنين بعد الوحي؟
هؤلاء القوم يحوِّلون الحديث السياسي إلى حضرة صوفية تعتمد على ذكر الاسم المفرد، على ماذا تعتمدون؟ الله، ما الذي دفعكم إلى هذه الخطوة؟ الله، وهذا الزار ينقلب من نصرهم الله، إلى رحمهم الله دون أن يرف للقائل جفن، دون أي رؤية كأنهم لا يبصرون في الوجود شيئًا غير الله، رغم ما في خطورة هذه النظرة دينيًا التي امتدت في بعض الأحيان إلى ما سمي بوحدة الوجود! بل يعتقد بعضهم أنَّ جزءًا من إيمانهم الانفصال عن الاعتقاد بتأثير الأسباب، ولا غرابة والواحد منهم يعتقد ألا تأثير لشيء في شيء، إلى باقي مقالات الدروشة، وقد انقلبت هذه اللا عقلانية لتدافع عن نفسه وترمي خصومها بمحاربة الدين، ومخاصمته.
وفضيحة هؤلاء العملية أنهم لن يقبلوا أن يعملوا شهرًا واحدًا وفق هذه الطريقة، لن يعملوا شهرًا بناء على الاكتفاء بمقالة إنَّ الله سيرزقكم، لن يتعبوا دقيقة وهم لا يستفصلون عن الدفع وكيفيته، وبأي عملة، وكم قسطًا يكون، لن يعملوا قبل أن يحيطوا بالمسألة من كل الجوانب، لكنَّ الشأن العام البعيد عنهم، سهل جدًا أن يتكلم فيه الواحد ولا يعرف سوى الإحالة إلى الله! ومن خالفه فإنما يشاقق الله!