من الحرب إلى الجنس
قد استمعت لبودكاست للمدعو كمال المرزوقي يتحدث فيه عن حرب إبادة يتعرض لها شعب كامل، يتهم مخالفيه بالنفاق والإرجاف.. قد كان المشهد سرياليا: إذ كان متكئا على أريكته وبيده عصا خشبية محاكيا للقطة يراها درامية، ومع ذلك فقد خانه ذوقه في همدانه، تحسبه عند رؤيته أحد برجوازيي القرن التاسع عشر، فلا تدري هل هي تراجيديا فتبكي أم كوميديا فتضحك!
عاش حياته انتهازيا، ذهب إلى صراعات فكرية ليس هو بأهل لها: فلم يترك فرقة دينية أو فكرة فلسفية أو نظرية سياسية إلا وناقشها؛ كيف لا وهو العلامة المتبحر في كل علم وفن؟ غير أني لم أجد له بحثا محكما أو دراسة علمية موثقة!
اتخذ من أقران له صحبة ثم تركهم.. افتتح جامعة أسماها «جامعة الإمام مالك للعلوم الشرعية»، جامعة ليس لها حرم أو حتى موقع إلكتروني ولا تحظى بأي اعتراف، جامعة كانت تقدم دورات في التصميم؛ كأن الإمام مالك «غرافيك ديزاينر»!
ثم افتتح بعد ذلك موقع “لينا سايكولوجي” منتحلا فيه صفة “معالج نفسي مجاز من جامعة هارفرد وكامبريدج وعضو بالجمعيّة النّفسيّة الأمريكيّة وعضو بالمجلس الأمريكي لعلم الجنس”.
إنه موسوعي حقا! فمرة هو محلل سياسي وخبير عسكري، ومرة هو فقيه وفيلسوف، ومرة معالج نفسي ومختص بالجنس! إنه رجل الحرب والسلم، العلم والفكر، النظرية والتطبيق! ألم يقل أحدهم بأن السياسة تبدأ من الأسرة؟ والأسرة تبدأ بالسرير!
عند فحص هذا الإدعاء نجد ما يلي:
الإجازة من جامعة هارفارد هي عبارة عن دورة/كورس أونلاين مجاني تقدمه هارفرد-إكس HarvardX بالتعاون مع إد-إكس EdX (منصة تعليم افتراضية)، يتناول موضوع أساسيات علم الأعصاب، والشهادة تمنحها HarvardX لا حرم الجامعة نفسها! إذًا، هذه «الإجازة» ليست في العلاج النفسي بل مجرد إثبات أن المرزوقي قد أكمل الكورس المجاني!
الإجازة من جامعة كامبريدج هي أيضا عبارة عن كورس أونلاين (يستطيع أي أحد التقديم إليه) مقدم من جامعة كامبريدج بالتعاون مع إد-إكس، يتناول الكورس موضوع علم النفس العصبي لاتخاذ القرار! إذًا هذه «الإجازة» هي بمثابة إقرار أن كمال أتم الكورس، ليست إجازة من جامعة كامبريدج في العلاج النفسي!
أما أنه عضو في الجمعية النفسية الأمريكية، فهذا تضليل! إذ إن الشهادة التي أرفقها كمال في موقعه تصفه بأنه منتسب دولي لا عضو؛ والعضوية مرتبة أعلى لا بد للمتقدم إليها من أن يمتلك درجة الدكتوراه في علم النفس أو في مجال ذي صلة من مؤسسة معتمدة إقليميًا (وعلى ما يبدو فليس المرزوقي مؤهلا لذلك).. أما المنتسب الدولي فيكفي المتقدم أن يكون عضوًا في جمعية علم النفس في البلد الذي يقيم فيه أو يقدم دليلاً على «المؤهلات المناسبة». وللمرء أن يشطح بخياله عما تعتبره الجمعية «مؤهلا مناسبا»! فهل تفي كورسات الأونلاين بالغرض؟
أما كونه عضوا في المجلس الأمريكي لعلم الجنس، فهو صحيح! إلا أن «العضوية» في هذا «المجلس» لا تشترط أن يمتلك المرء البكالوريوس فضلا عن الماستر أو الدكتوراه! فهل يفي بالغرض إقرار إتمام كورس أونلاين؟! أو دبلوما مجانية؟! أما إن أراد المرء أن ينال «شهادة البورد» فيشترط «المجلس» أن يكون للمتقدم بحث مراجعة أقران peer-review وأن يجتاز امتحان أهلية.. ولحسن الحظ فكلا الشرطين قد سقطا بسبب جائحة كورونا! اللافت للنظر أن هذا المجلس يقدم شهادات وعضويات في العلاج بالتانترا Tantra، وهو علاج مستقى من فلسفة اليوغا الهندوسية، مبني على فكرة أن في الجسد هالات من الطاقة (الشاكرا) يؤدي اختلالها إلى نشوء الأمراض.. فيا له من مجلس علمي!
هكذا هي جل الشهادات التي يجدها المرء على موقع كمال المرزوقي، دبلومات وكورسات أونلاين يستطيع أي أحد التقديم إليها، حتى أننا نجد شهادة دبلوم في العلاج بالفن لدورة ماجستير مقدمة من جامعة أكسفورد يستطيع من لا يملك البكالوريوس التقديم إليها! هذا غير الندوات المجانية التي كان فيها المرزوقي مجرد مستمع: كندوة «بعبع التحول الجنسي: إعادة صياغة الخوف من الندم والتراجع عن التحول»! The Boogeymen Of Gender Transition: Reframing The Fear Of Regret And Detransition.
ويبقى السؤال: تفتقر «الإجازات» التي نشرها «الأستاذ» إلى شهادة جامعية حقيقية؛ لا يجد المرء مثلا شهادة بكالوريوس في علم النفس! فما هي المؤهلات الحقيقية التي يمتلكها كمال المرزوقي حتى ينتحل صفة معالج نفسي؟ وحتى يسوق لنفسه أنه هناك “لمرافقتك ومساعدتك في التغلّب على محن الحياة”! من يعتبر “رفاهيتك” أولويته، ضامنا “لك متابعة نفسية شخصية، تتكيف مع احتياجاتك”؛ ذلك بعد أن يسمع منك أسرارك وخصوصياتك عبر الإنترنت!