قُصَّاص انتهازيون!

لم يفلحوا في شيء سوى استدرار الدموع، يركبون موجة ليست لهم، حين لم يكن للسياسة سوق رائج كانوا يرونها شيئًا تافهًا، حديث مجالس ومقاهٍ، لا علمًا يدرس، كان اسمها ماجريات، أمضوا أعمارهم في الثرثرة بقصصهم، حتى إذا وجدوا في الأمر نزعة شعبية، تحرَّقت شهيتهم لمزيد من المتابعين!

فسارعوا بثقلهم إليها، وتنظر إلى الواحد منهم وقد جلس مجلس كيسنجر، وتقول في ذهنك ألم يكن ذلك القاص الذي لم يجرِ على لسانه يومًا ذكر مصطلح سياسي واحد، ولا اهتم بالأمر، بل كان يشمئز متى سمع ذكر اهتمام في شأن غير شأن (بحر الدموع) الذي تدور فيه مجالسه، وهو أحوج ما يكون ليسكت فما باله صار رأسًا يسجل ما عنَّ له من خواطر، ويلقيها على الأسماع.

فقد أدوات قراءة الواقع، بل هو الذي لا واقع لديه، فحديثه يدور كدرويش يلاحق هلاوسه، لا خسائر ولا مكاسب لديه فعالمه لا أرض فيه ولا سماء، لا بشر ولا حجر، إنما يكمن هناك في سر (الأولياء)، نقل مجلس الدروشة إلى الكلام في السياسة، وأراد أن يكون القطب في كل موضوع، هؤلاء القوم يسعون اليوم لانتهاز الفرصة، لإظهار كأنهم جزء من مشروع، أو أنهم في الأساس أصحاب مشروع، وما لهم في الباع ولا الذراع، انتهازيون حين يصوبون موقفًا سياسيًا لا يلتزمون شيئًا من لوازمه، وتجد التفاخر كأنه مشية في موضع اللقاء، لكنَّه في وسائل التواصل، بل قد يكون اجتماعهم في وليمة تحت عنوان: حل مشاكل المعمورة!

يريدونها غنمًا ببعض المتابعين، دون أي غرم، ثم يأتي ويقول لك دافعنا ووقفنا، ويقصد خواطره وكهانته، تنبؤاته، ونزقه بتخوين من لم يعجب بكلامه، مصورًا ما ينشره كأنه يرجَّح موازين قوى، مع أنَّه قاعد، وما يفعله اسمه تعبير عن مشاعر: لا دفاع ولا انتصار، ولو سماه بالعجز لكان خيرًا له، فالعاجز قد يفكر يومًا ليضحي قادرًا.

بل بلغت الوقاحة أن يحرِّف ما جاء في الآيات، فينزلها على كل مخالف له بأنه مثبط، مع أنَّ المثبط كما جاء في القرآن: (فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) وهو قاعد من البداية إلى النهاية، لا معنى لوصف التثبيط في حقه أصلًا، فهو تحصيل حاصل، ويستغل هذه الحالة ليرمي كل من يخالفه أو متى سمع همسًا لا يروق له، أو سعيًا لتصفية حسابات في مملكته الافتراضية ليصف مخالفه بكل أوصاف أطلقتها ثورات العالم على من صادمها، كأنه قادم باتحاد ينسي الناس أخبار الاتحاد السوفيتي، وهو الآمن في سربه، المعافى في جسده، يبيع اللبان بالمفرّق لكنَّه يضع لافتة بأنه مصنع دبابات!