الشعوب كالنساء!
هكذا عبَّر موسوليني في (خواطره) عن نظرته للشعب الإيطالي: “الجماهير تحب الرجال الأقوياء، الجماهير كالنساء”، وهي نظرة من ماثله من السِّياسيين، يرون الشعب تحصيل حاصل، سهل الترضية، بكلمة مديح، بهدية، ويحسبون أنَّ جزءًا من القوَّة يكمن في التعامل بالضرب بيد من حديد، والتأنق بزي الأقوياء، فكان ستالين قد ضرب المثل الأعلى في هذا، بجهاز يحكم قبضته على كل مرافق الحياة، وظن أنَّه قد نال كامل الاستقرار وهو يعقد محاكمات صورية في موسكو لمختلف القطاعات التي خالفه، تحت اسم (التطهير الثوري) لكنَّه في الحملة التي شنَّها قضى على جيل من الموهوبين، وضباط على كفاءة عسكرية عالية قادرين على الوقوف ضد ألمانيا عشية الغزو للأراضي السوفيتية، وكانت النتيجة كارثية فتتابع الجنود المستسلمين بالملايين، ومن بين من وقع في الأسر ابنه ياكوف الذي مات في معسكر اعتقال على سياج حديدي.
لكنَّ الظروف ساعدته، فزودته الولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا بما سمح له بالمواجهة من باب اعتباره أقل الأضرار، وأنَّه الأقدر والأقرب في المواجهة مع ألمانيا، لكنه كان وقوفًا من جديد بتكلفة مرعبة، هي الأكبر في الحرب العالمية 20 مليون إنسان، والانتصار يعمي عن تتبع الكارثة، فلم يتحدث أحد عن إمكان تقليل الكارثة بعد أن كلله غار يوليوس قيصر، نظام تحصيل حاصل لم يصلح كل حين، ولكن كان يعوِّضه عقلية ديكتاتورية ترى ضرورة تحمّل المرء نتائج أفعاله، فقد شاع في ألمانيا عرف في الحزب الحاكم، بأنَّ على أعضائه تحمل نتائج أخطائهم، فمسدس (لوجر) الألماني بقي يحتفظ بالطلقة الأخيرة للأخطاء، على هذا النحو رحل رومل الذي أسقط فرنسا في 3 أسابيع، لمجرد أنه ارتكب غلطة في نظر الحزب، وبطريقة (لوجر) تلك سقط النظام الألماني سريعًا مع نتائج قراراته، فساعد تفعيله على انقراض الحزب من المشهد السياسي.
الجماهير كالنساء مأمونة الجانب في نظر موسوليني وفق نظرة تستحضر روح العصور الرومانية القديمة، لكنَّ صبر الإيطاليين كان قد فرغ حتى عُلق الزعيم المفدى في ميدان عام مشنوقًا، وأثبتوا له أنَّ المسألة ليست كما بدت له، لقد تعلَّمت أوروبا درسًا سجله المنظرون السياسيون عن كون السياسيين لا يُمنحون شيكًا على بياض، وكانت التوعية النشطة بأنَّ المواطن كائن سياسي، وأنَّه متى تسامح مع هدر السياسي لحقوقه سيصحو لاحقًا على كارثة لا تعبأ به، الحرب الثانية تحمل مضمونًا مختلفًا عن الأولى، فلم يكن الفاعلون فيها أبناء سلالة نبيلة أو ملكية، ولا نخبة أرستقراطية، بل كانوا من عامة الشعب، الحزب الألماني تشكل من جنود ليسوا من النخب، وكان الاتحاد السوفيتي في المقام الأساسي مبني على حزب اعتمد الشعب مصدرًا لقيادته وعناصره.