غربيون شرقيون بأزمات وجودية
هناك قطاع ممن عاشوا بالغرب، درسوا فيه، ونالوا مجدهم الشخصي، وتبجحوا بنوعية شهاداتهم العليا، ثم دخلوا في أزماتهم الروحية والوجدانية، بحثًا عن تمسك بمفهوم للهوية، وقالوا إنهم متمسكون بقضايا المنطقة، مدافعون عن هويتها وهذا كله جيد، مارسوا السياسة بما يتعلق بحياتهم الشخصية، فزعوا إلى التقيِّة أحيانًا، والانغلاق الذهني لا الحس النقدي في أكثر الأحيان، وهم في رحلة الدراسة والحصول على الجنسية، والتمتع بميزات كل ذلك.
لكنَّ الشيء الملاحظ أنهم أعلى الناس سقفًا في آرائهم، ويتعاملون معها كرياضيات تجريدية، دون أي مراعاة واقعية للمنطقة في تحليلاتهم وشعاراتهم، تلك التي لا يسكنونها لكنها تسكن أشعارهم، أولئك الذين يقطِّعون الآيات تقطيعًا، لا يعبؤون بسياقها، فالمهم لديهم هو سياقهم، رغم أنَّ معرفتهم الدينية تقارب الصفر، وما يزيد عنه يدخل في الجهل المركَّب، لكنَّهم يزجون تحليلاتهم بكل ما علق في أذهانهم، ويسردون ذكر المقدِّسات كأنها تنقل هلوساتهم إلى التحليل المعصوم، فيفرغون في خطاباتهم بما تكدَّس من خطابات جمَّعها لا وعيهم عن الشرق.
هم ستالينيون فيما يتعلَّق بالأرقام البشرية، حلَّاجيون فيما يتعلق بجوابهم عن التحالفات وموازين القوى وما يعولون عليه، نيتشويون لا أخلاقيون حين يحاججون بجوانب أخلاقية في سياسة من ينافحون عنهم، كانطيون فيما يتعلق بضرورة الأخلاق الصارمة حين يتحدثون عن النظام العالمي وخصومهم.
لا يريدون سماع صوت يعدِّل عليهم، بل يريدون منبرًا ينظرُّون فيه على الناس في حديث نثري لا علاقة له إلا بالصور الأدبية والفنية، بأقل أزمة روحية يدخلون في نوبة يعلنون فيها على الملأ هواجسهم الانتحارية، فمعاناتهم يجب أن يضج لها الكون، وفي أقل أزمة تكون جوازات سفرهم تمائمهم الحامية لهم، إنهم جسم زائد على قضايا المنطقة، لكنَّهم يحبون ممارسة القيادة عن بعد، جنرالات يرسمون فقط الصور الكلية، لا تعنيهم التفاصيل، إنهم يشعرون أن أزماتهم الروحية، محل اهتمام الناس في المنطقة، رغم أنها لا تعني لهم أي شيء.