الخطاب المشيخي البائس تحول من حالة الهلوسة التي جعلته قبل سنة يصوِّر أنَّ تغيير النظام العالَمي قد انطلق مدفعه، وسيكون ذلك على كاهل بقعة لا تزيد في مشابهتها عن قرية في دولته، ثم انقلب على عقبيه ووجد أنَّ الأسهل عليه من تخطيء نفسه، ولوم جهله أن يجعل لنفسه مخرجًا بأن يصوَّرها مرة أخرى كجرعة رضى وعبرة لمن يعتبر!
فأضحى يشعر نفسه وغيره بأنهم مواطنون صالحون في دول رفاه اجتماعي لما يقارن نفسه بهؤلاء الذين ضرب بسيفهم، وتغنى باسمهم وقد صار يشهد تمزق خيامهم وما تبقى من مضاربهم، فإن اشتكى من انقطاع الكهرباء تذكرهم ففرح أن وجد الكهرباء في داره لدقائق، ثم إن جاع أبناؤه اطمأنَّ بأنَّ لديه أبناءً، إن وجد التعليم سيئًا قال يا لها غبطة فغيره لم يعد لديه مدرسة ولا جامعة!
إنهم قِطاع التصفيق للوضع القائم، والسعي لملء الفراغ في أذهان الغوغاء بأيِّ قمامة نثرية، مقابل إعجاب مستمع أجهل منهم، يريد أن يصغي لما يطربه لا لما يوقظه، بأن يجعلوا من حال واحدة ثورة على العالم، أو موعظة لمن يشكو الجوع وانعدام العلاج فيرضى بالنعيم الذي هو فيه.