“ثمَّة مثل عربي يقول: (سبق السيف العذَل)، وينطبق هذا المثل على سلوك صدام حسين خلال أزمة الخليج، عندما اختبر قواته في مواجهة العالَم بأسره، وظلَّ لعدة شهور يستحوذ على المبادرة في حرب الكلام وحرب الأعصاب، وكانت إذاعة بغداد تبدأ في الغالِب بثها بعبارات من نوع: (إنَّ رئيسنا يصنع مرة أخرى العناوين) وهكذا كان الإعلام الحكومي يقدِّم صدّام كبطل عربي أصيل وبارع في فن الخداع كما في فن البلاغة أي: القدرة الفائقة على الخطابة.

وجذرها اللغوي الثلاثي هو: بلغ، الذي تشتق منه كلمات ومعانٍ كثيرة مثل بلوغ الرجل أي نضجه الجسدي، وهكذا فالقدرة على البلاغة والخطابة صورة أخرى قريبة من صورة الرُّجولية المثالية، وفي الوقت نفسه تشتق من هذه الكلمة مفردة أخرى تعني المبالغة أو المغالاة في التصوير أو التعبير أثناء الكلام، وعلى هذا فإنَّ البلاغة أو المبالغة مشتقتان من جذر واحد وتستعملان كوسيلتين لتحقيق نتائج سياسية، وتنطبق هذه المقاربة والمعاني على أسلوب صدام حسين وسلوكه بدرجة كبيرة.

….حتى عندما قرَّر صدَّام حسين الانسحاب من الكويت استعمل خطابًا بلاغيًا ينسجم مع قواعد الخطابة والفصيحة عند العرب، إذ تضمَّن حديثه للشعب يومذاك آيات من القرآن، وأبياتًا من الشِّعر الكلاسيكي، محبوكة في بساط لغوي وكلامي معقد، لقد حاولتْ اللغةُ المستعملة في هذا الحديث إخفاء المضمون الحقيقي لها، وهو أنَّ العراق قد أذعن لشرط الحلفاء بالانسحاب من الكويت، أخفيت هذه الحقيقة المُرَّة وسط سيلٍ لاهبٍ من الكلمات البليغة في لغة عربية معقَّدة بغرض أن يكون عسيرًا على معظم العراقيين إدراك محتواها، وتعمَّد الذين كتبوا هذا النَّص أن يخلقوا في نفوس المواطنين انطباعًا بأنَّ الانسحاب ما هو إلا عملية إعادة تنظيم لتشكيلات الجيش العراقي إذ إنَّ (الحرب ستستمر حتى يتحقق النصر النهائي)”.

(الإسلام وأوروبا تعايش أم مجابهة؟ إنجمار كارلسون، ترجمة: سمير بوتاني، صوت إسكندناڤيا، ص٢٩، ٣٠.)