ما المرعب في التخليط في التحليل السياسي؟

لا ينال المناطق البعيدة شيء من تحليل غبي لشخص بعيد عنها ينفس عن أفكاره في وسائل التواصل، ولكنْ هذه التحليلات هي مؤشر خطير على مستوى الوعي، بحيث لو أنَّ حدثًا سمح لمن يحلل بتلك التحليلات (المحلّقة) أن يكون صاحب نفوذ في منطقته، وهو أمر ليس ببعيد ولا مستحيل في منطقة سريعة التغيرات، سيكون ما جال في خاطره وقاله من قبل خطيرًا.

وكثيرون هم الأشخاص الذين كان يمكن سماع تحليلاتهم الخيالية في المقاهي من قبل، وما أن حدثت الهزات السياسية في العقد الثاني من هذا القرن، حتى صار هذا الذي كانت تحليلاته موضع سخرية ويمرُّ الناس عنها سريعًا إلى الانهماك بالعمل اليومي، وحين تعاشره في صنعته تجده دمث الأخلاق، وفجأة صار مسؤولًا لفصيل في بلد حدثت فيه أزمة، وصار صاحب نفوذ بعد أن انضم إليه أبناء عمومته، وصار لكلمته صولة وجولة، حينها ستتذكر أن تلك التحليلات كانت إنذارًا بشر محدق.

والمنطقة العربية متشابكة التحديات، والضعف في مناطقها يؤدي إلى ضعف عام، والقوة بالقوة، وهي مشتركة في كثير من الأفكار، فما أن يخرج نموذج في منطقة حتى يحاكيه آخر، وما أن يسقط نموذج حتى يبدأ بالسقوط في غيرها من المناطق، ففي الخمسينات كانت الانقلابات العسكرية موضة، ثم لاحقًا صارت فكرة الانتفاضات الشعبية، وفي مرحلة كان التعويل على التجربة البرلمانية وهكذا فهي منطقة سريعة التغيرات، ومن نظر إلى القاهرة في العشرينات، لا يكاد يعرفها في الخمسينات، ومن شاهد صور الناس في الستينات، لا يكاد يتبين له أنّها المنطقة نفسها في الثمانينات، وهذا ليس عاملًا محبطًا، بل يدل على أنَّ الشعوب تسعى لأن تصل إلى بدائل، وتجد ما يعبّر عنها من أفكار وآراء، ولذا أكثرت التنقل في مراحلها.

وعليه فإنَّ زيادة الوعي السياسي وما يوصل إليه من أفكار ليس شيئًا كماليًا، بل هو جزء من الضرورات، والعقلاء يؤثرون التعليم بكثافة حتى لا يمروا بالتعلم على جلودهم، ولذا يكون ما يتعلمه المرء بطريقة غير مباشرة موفرًا عليه سيلًا من الكوارث، ولذا لا أرى التهاون في شأن تقييم التحليلات السياسية المحلقة بحجة أنَّ فلانًا يتصنّع الحمية أو الفتور، بل يجب أخذها بعين الاعتبار على أنَّها إشارات ينبغي التعاطي معها، والتعامل بجدية، وهي تكشف وعيًا زائفًا يجب التخلص منه ومن جذوره وأسبابه.