هناك قسم يرى أنك من القرون الوسطى، لماذا؟ لأنك ترى ضرورة التأسيس بعناصرنا الذاتية، فكل اطلاع على الآخرين مفيد، كل معرفة مهمة، لكن الإفادة من التجارب الأخرى لن تكون وفق طريقة النسخ واللصق، إلا في جانب التبعية لمن تنسخ عنهم، يجب أن تكون العناصر ذاتية إذ تنتج كل حضارة حلولها وفق تحدياتها، عبر مرورها بتاريخها.

دون حل العديد من المعضلات التاريخية الخاصة بنا لن يكون لأي معرفة من تفعيل، ما الفائدة إن علمت التاريخ الألماني وأنت تجهل تاريخك؟ إننا أبناء اليوم لأنَّ أسلافنا أبناء أمس، ودون الماضي لم نكن لنوجد حيث نحن اليوم، فمن يشعر بالتقزز من تاريخنا العربي الإسلامي، فإنه يريد وعاء حضاريًا غير ما نحن فيه، حينها سيكون كل إنجاز فردي له مفيد لوظيفته الخاصة وفقًا للوعاء الثقافي الآخر الذي يختاره، لا لشعبه ولا لقومه ولا أمته.

إنَّ واحدة من أهم محاور النظر التاريخي البحث في مسألة الهوية المؤسسة، فكل فئة تعمل على تشكيل هوية لها تبعًا للحظة تاريخية معينة، فتحرير هذا وتنقيحه بطريقة علمية سيضمن هوية نتجت عن بحث تاريخي علمي، لا أنها صُنعت ارتجالًا، ولا هي مقتبسة العناصر ولذا كانت الخطيئة الأكبر في الناصرية على صعيد الهوية المؤسسة أنها استنسخت مفاهيم أوروبية دون بحث في العناصر الذاتية، فلم تعمر طويلًا.