مشاعر مرهفة
لن تجد وضعًا عاطفيًا مثل أولئك الذين تواجههم بالنقد، فيمتعضون ويتعكرون، ويطالبونك على عجل ما البديل؟ على أنَّ البدائل تصاغ بوقت وجهد، لكنه يتعامل بنظرية (السوبر ماركت) فهو يصوّر نفسه زبونًا تتقاتل عليه شركات المنتجات الغذائية، عليها أن تتفنن له بالدعاية، وتقول له هلم إلينا، ثم يختار من البدائل المعروضة، ولهم عذرهم فهم يخاطبون جيبه، لكن النقاد يخاطبون تخلُّفه.
لا يجد في نفسه أي مسؤولية تدفعه ليساهم في صياغة البدائل وهو مع تياره الذي يعظمه كأتعس مطبل إعلامي مع أتعس سياسة مرَّت، كل شيء تمام وكما هو الحال في توزيع الرتب والنياشين على أصحاب الفخامة، أقل كلمة يقفز على عجل لا تتعرض لعلمائنا وأجلائنا، فذا منحة الله، وهذا آية الرب.
أولئك العظماء وفق تقييمه هم الذين صاغوا أعظم نظرياته في الدروشة فقالوا له: هناك شيء اسمه (مدرحية) هكذا جمعوا له بين المادة والروح، وتفرع عنها شيء اسمه (حساباتكم الدنيوية) التي يطالب ألا تكون وفقها سياسات الدول، وفي سياسته الخاصة يوهم كأنه يذهب إلى العمَل ويطالب آخر الشهر بكشف لحساباته الآخروية من حسابه البنكي، فمن المعلوم أنَّ الاقتصاد بدعة حداثية، وإنما هي أرزاق موزعة وما من أسباب، وفق نظرية (التنوير في إسقاط التدبير).
سؤال البديل هذا الذي يتبجح به هؤلاء لم يسألوه لسيد قطب وهو يقول بأنَّ الجاهلية تسعى لإحراجه فتطالبه بمشروع سياسي وأنه لن يقع في الفخ، فعليه أن يحطمها ويستلم الحكم ثم بعدها (يحلها ألف حلال) وهو ما صار بعده، فكتب رفاعي سرور وفق هذه النظرة كتابًا اسمه (التصور السياسي للحركة الإسلامية) تبحث في صفحاته فيكون مختصر ما فيه: نقول للجاهلية سلِّمونا الحكم ثم نخرج مشروعنا السياسي، وفق التصور الصوفي العظيم: من ذاق عرف!
وبعدها حين تقع الواقعة، وتحصل الفاجعة الجواب حاضر: أصحاب الأخدود يا أخي، في حين كان علماؤه ومشايخه أسرع الناس إلى الفرار إلى مختلف البلدان حتى لا يحصل فيهم أدنى مكروه، فهي الرخصة أخي في الله، هم لهم الرخصة ولغيرهم العزائم، وبعدها يقول: ناضل علماؤنا ضد المادية، نعم وهزموا!