ألمانيا تاريخ ضارب في استغلال الإسلام
انتبه الألمان قديمًا لما يوجد في الإسلام من قوَّة، ولذا أعجب بهذا الجانب الفيلسوف الألماني نيتشه[١]، وعندما يُذكر الاستشراق فإنَّ المستشرقين الألمان هم أول ما يتبادر إلى الذهن مثل: جوزيف شاخت، ولم تكن السياسة بعيدة عن تلك الدراسات، ففي ١٩١٤ وضع ماكس فون أوبنهايم مذكرة بعنوان: (حول تثوير الأراضي الإسلامية الخاضعة لأعدائنا) [٢]، وفي الحرب الثانية تفنن العلماء الألمان بتوظيف الإسلام، فقدم هانز لنديمان في ١٩٤١ دراسة بعنوان (الإسلام ينطلق ويدافع ويهاجم) وهو عالم سياسة شرح فيه أنَّ الإسلام يمكن أن يخدم ألمانيا ضد الحلفاء [٣]، وكتب توماس ريكارت (الإسلام على الأبواب) شرح فيه أنَّ الإسلام يرى في البلشفية عدوه الرئيس [٤]، بما يطرح إمكان استغلاله في الحملة الألمانية على موسكو.
وكان ما قدِّم من دراسات ألمانية في الحرب العالَمية الأولى، محل استثمار في الحرب العالمية الثانية، وقد أعجبت القيادة الألمانية بما يمكن استثماره في الإسلام حينها، وفي ١٩٤٣ تم الإعلان صراحة عن قبول المسلمين في صفوف الحزب الحاكم في ألمانيا[٥]، وكان الانفتاح على توظيف عدد من الرموز الدينية من توجهات مختلفة، للدعاية السياسية الألمانية، وكان من بينهم تقي الدين الهلالي، تلميذ رشيد رضا، الذي درس في ألمانيا المدة ما بين الحربين، وترجم القرآن إلى الإنجليزية، [قدم رسالته للدكتوراه في ألمانيا] وكان من أبرز المحرضين الإذاعيين لدعاية برلين في الحرب الثانية[٦]، وقد تم تأسيس وحدات مقاتلة (إسلامية) في صفوف الألمان مثل فرقة سميت (الخنجر) التي ارتكبت جرائم حرب.
كان اشتراك الهلالي في القناة مع العراقي يونس بحري الذي شغل منصب (مفتي أندونيسيا)، بإشراف الحزب الحاكم الألماني، وكان افتتاح البث: (هنا برلين، حي العرب) كتب بحري عن تلك الإذاعة: “كان لزامًا على الدعاية الألمانية أن تجد رجلًا عربيًا يستطيع الاضطلاع بمهمة الرد على الإذاعات المهاجمة باللغة العربية من لندن، وباريس، وغيرها”[٧]، ولم تكن الإذاعة البريطانية BBC تبث شيئًا من القرآن، لكنهم في برلين فعلوها لجذب المستمعين العرب، فصارت BBC تحاكيهم [٨].
لاحقًا اعتنى مشهور حسن سلمان بتحقيق أعمال تقي الدين الهلالي الذي يوصف بأنه من مؤسسي السلفية في المغرب، وطبع له شرحه على كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، (سبيل الرشاد) في أربع مجلدات، (رسائل الهلالي) في أربع مجلدات، (اختصاره وشرحه المختصر على صحيح البخاري)، كتابه (الدعوة إلى الله)، (مرقاة المفاتيح) و (مدَنية المسلمين في المغرب).
———————————— [١]انظر: عدو المسيح، فريدريك نيتشه، ترجمة: جورج ميخائيل ديب، دار الحوار، الطبعة الثانية، ص١٧٩. [٢]انظر: في سبيل الله والفوهرر، ديڤيد معتدل، ترجمة: محمد صلاح علي، مدارات، الطبعة الأولى: ٢٠٢١م، ص٥٤. [٣]انظر: المصدر السابق، ص٦٤. [٤]انظر: المصدر السابق، ص٦٧. [٥]انظر: المصدر السابق، ص١١٦. [٦]انظر: المصدر السابق، ص١٤٣. [٧] هنا برلين، يونس بحري، دار النشر للجامعيين، ج١، ص١٠. [٨] انظر: هنا برلين، يونس بحري، ص١٨-٢١.