يأبى بعض الناس إلا جعل كل حدث فرصة لتفريغ ما سمعه هنا وهناك، وكان آخرها ما تلقفوه من فتات مثقفي يسار باريس، من جماعة الصدمة من معسكرات الحرب العالمية، فأعلنوا لعن الحداثة، فصار لازمًا كل حين الحديث عن كون معضلتنا تكمن في الدولة الحداثية!

هل هؤلاء القوم يدركون ما يقولون؟ هل سيقومون بالتظاهر الفوكوي ضد أشكال السلطة، وهو الذي كان يمضي بعدها مدة نقاهته في أرياف تونس ويحمله ويحميه الجواز الفرنسي؟ أم سيواجهون بزفرات دافيلا الدول الكبرى بالحنين لأرستقراطية القرون الماضية، أم يلعنون كوائل حلاق الآيفون ثم يلتقطون صورهم بكاميراته الثلاثية؟ ويتابع الناس آخر بودكاست لهم على جهاز (أبل) الذي يذمه.

هذا الترف البرجوازي المتقرز من الحداثة يحميه أنه يعيش في دولة نووية، تنفق على التصنيع وتستثمر في كل ما يجعلها حديثة، أجهزة استخباراتها تلتقط ما يعرض أمن ذلك المثقف المتأفف لخدش، يمكنه أن يجلس متذمرًا بعدها كل صباح في الدولة الحداثية، أما المنهوبون فيعلمون أنه دون دولة حديثة، تصارع حداثة غيرها يجعلهم نهبًا وسلبًا بما يمنعهم من متابعة آخر إصدار للمتقززين من الحداثة.