ما يقرب من قرن والقضية الفلسطينية حديثٌ للعرب والمسلمين، إلى درجة تحوَّلها في أذهان كثير منهم إلى حالة هي أشبه بالتحسر، وزيادة جاذبية البعيد كما قيل:

يقولون ليلى في العراق مريضة***فيا ليتني كنتُ الطبيب المداويا

فالناس قد تحوِّل البعيد عنها إلى مساحات للرومانسية لا المسؤولية والعقل والبحث في التأثير، وفي حين كان انبعاث المشكلة في فلسطين، بسبب ضعف العرب وهزيمتهم في ١٩٤٨، ثم ١٩٦٧ تحول الأمر وفق عقل غرائبي، إلى كون فلسطين هي التي ستنشل مختلف العاجزين في العالم! فهو لو كان ضعيفًا في بلده لم يعد عليه من مسؤوليات سوى إطلاق عدة منشورات، أو إذاعة تحليلات خيالية دون أن ينسى وصية الثائر، الذي يواجه قوى العالَم، بالاشتراك في القناة وتفعيل جرس المتابعة!

سمعت أحدهم يقول: “لو وقعتم سيقع العرب جميعًا”! ويحول الكلام في الموضوع لا لتأثير ولا لتحليل، بل بما يشبه من يتحدث في التوحيد ليقول للناس بأنَّه ليس بمشرك! ليدفع التهمة عن نفسه لا لرفع غامض، بل تصل المسألة في كثير من الأحيان إلى منافسة محلية لتسجيل المواقف على جاره في بلده لا شيء من ذلك يصل خارج الحدود، فهذا أفتى بوجوب تحرك حاملات الطائرات، وآخر وجوب تحرك الجيوش، وآخر وجوب تحرك المجرات! وهو في قرارة نفسه يعلم أنَّ المسألة لا تعدو حصد إعجاب، وترديد أدعية في التعليقات، ولم يتغير عليه شيء خلال برنامجه اليومي.

ورغم عمق التجربة الفلسطينية وكثرة الكتب فيها، ومذكرات من ساهموا فيها وسعوا لنقل التجربة والتعلم من كل الأخطاء إلا أنَّ الغلبة كانت للشعارات الأشبه باليسار الصبياني: “لا تعتد المشهد”! مع أنَّ الاعتياد ينشأ من عود الشيء مرارًا، فأي شيء لم يعُد؟ بل الضحايا أنفسهم قد اعتادوه، والكون ليس تابعًا لكونك ألفت شيئًا أم لم تألف!

بل قد يمر على المرء ذلك الذي يتترس بعدة منشورات ليجعل منها حصانة من النقد، فأي عدوى أصابته من بعض الأنظمة التي جعلت من اسم فلسطين تخوينًا لكل متنفس بالخفاء مسائلًا عن سياستهم، فما تنشره صديقي ليس حصانة لك، بل كثير مما يُنشر كان فيه مساهمة في التضليل لا التعريف، بما يجعل الناشر موضع مساءلة لا موضع القاضي!