عائلة سياسية
كان يعيش في بلده، مهيض الجناح، بلا مخالب ولا أنياب ولا ريش، الوعي السياسي بدعة هكذا تحدَّث الأجداد، تمر السنوات فيدرك الاتحاد السوفيتي وتصله أخباره، فيحتفل بالعرس الديموقراطي الذي أفرز ستالين، ويمضي ثلاثين سنة وهو يشتم تروتسكي، وأنَّ ستالين فوقه يدوس عملاء البرجوازية، بعدها تحول ابنه إلى القومية العربية!
حينها احتفل بالعرس الديموقراطي، وهتف لعبد الناصر، ووجد نفسه في كلماته، ولم يتقدم وعي الابن ذرة فهو حريص على البعد عن البدع وأهلها، هو يمارس السياسة البعيدة، فهذا أول معيار للسياسة المسموح بها في بلده، ولم يفهم من فكرة السياسة سوى الانتقال من تصفيق إلى آخر، والحديث عن رجولة عبد الناصر، وعنفه، وطوله، ويا لعرض كتفيه! كأنه يعوِّض نقص هرمون معين فيه، حتى جاءت هزيمة ١٩٦٧ وبقي على التصفيق ولعن العملاء من بقايا العدوان الثلاثي، واحتفل مرة أخرى ببقاء عبد الناصر في منصبه، تحت ضغط الجماهير، لكنَّ ابنه بحث عن أعداء عبد الناصر وصار منهم!
وفي بحثه عن الاحتفال بعرس جديد فالسياسة بمفهوم العائلة لا تتعلق برأي، ولا دراسة، بل أن يمتنع عن التصفيق لقوم ويقول: لا أتفق في كل ما يقولونه، مقابل القول: نعم، ضربة معلِّم! لقوم آخرين، وانتظار الاحتفال فهو المقطع المفضَّل، ثم وصف قوم بالثوار وآخرين بالعملاء، وجاء العرس في ١٩٧٩ فهتف للثورة في إيران وسب العملاء أنصار الشاه لعنهم الله!
ويمشي وقد تقوس ظهره في شوارع قريته الترابية، كأنها بلدة منهوبة، قد تعرِّضت للتجريف المتعمَّد، معدومة الخدمات، وهو يغض بصره عن كل دورية شرطة تمر بجواره، داعيًا ألا يكون المقصود بمجيئها! ليجد مرشحه المفضل هذه المرة في حكمتيار، فيتغزل بعمامته وقسمات وجهه الرجولية وينظم فيه قصيدة، فقد تعلَّم العروض عند شيخه، هناك حدث كبير في بلاد ما وراء النهرين، وهي بعيدة وتنطبق عليها المواصفات، والعائلة كما هو معلوم تمارس السياسة عن بعد، كل ما هو بعيد جميل جيد، يصفق للتضحيات هناك فقط، على أنَّه في قريته مواطن صالح يخشى خياله إن مرَّ دون استئذان.
لكنَّ ابنًا له لم يعجبه الحال هناك، وهو مغرم بمشاهدة التلفاز وقد اشتروه حديثًا، فيتابع ويبكي على المآسي، ويطير فرحًا بخطاب لصدَّام، وقد أدمن حديثًا التصفيق له، لا حاجة للإطالة بذكر الفروع الجينية، فهذا ما توارثته هذه العائلة السياسية، منذ كانت ترتع في اليسار، اليوم هي منقسمة التوجهات، وتختلف في وقت التصفيق وصاحبه، لكنَّ سياستها لا تشبه السياسات!