من نَقَدَ فليقدِّم البديل!
لا يعدم رافضو النقد حججًا خطابية للتنفير عن التعرُّض لأغلاطهم، والكلمة التي تعاد كل حين: ما البديل؟ على أنَّ إيجاد بديل هو أمر زائد على النقد، فلا يلزم حين يُنقد العرَّافون في زعمهم علاج أمراض مستعصية بتمائم وطلاسم أن يقدَّم العلاج لتلك الأمراض، وحتمًا لا يمكن الوصول إلى علاجٍ من قوم يعتقدون صحة هذه الطريق.
هؤلاء الذين يقولون هذه الكلمة هم في الواقع لا يلتزمونها، إنما يستحسنون لوكها عند الجدال لإسكات كل صوتٍ لا يعجبهم، وإلا فهم يقدمون اعتراضاتهم دونما بدائل، يتعايشون مع هذا ولا يجدون أنفسهم ملزمين بتقديم شيء، فيعترضون على النظام العالمي، سياسات الدول، الأوضاع الاقتصادية، وغير ذلك، دون أي بديل في جعبتهم وغالبًا ما يكون اعتراضهم زفرات مصدور لا ترقى للنقد، لكنَّ الجدل يدفع إلى عبارات متهافتة لا يلتزمها أحد.
حسُّهم المرهف إنما يضغط عليهم في وجه الكلمات النَّقدية، لا يؤذيهم أغلاط قد تسبب كوارث على أرض الواقع، فالقانون الحيُّ المعاش أنَّ من لم تقنعه الحجج روَّضته الأيام، حينها يكون التخطيء ليس بالظروف المعطَّرة ولا الكلمات المنمَّقة، بل بظروف ملفوفة بالأكفان، ورائحة الأجداث تملأ حُجَّته، حينها لا يفترق لديه مخطئ مجتهد أو لم يفعل!
هذه الكلمة تعبِّر عن تضخُّم مريع لغطرسة التقدير لأنفسهم وقناعاتهم، فيمُنُّ على الدنيا بقناعاته، التي لا يعرضها للنقاش حتى يقدَّم له بديل حاضر، إن كان فقيرًا فيلقدّم له ما يجعله ينافس قائمة الأثرياء، إن قُدِّم له نقد سياسي فلتتقدَّم لنقاشه إحدى دول الرَّفاه الاجتماعي وتعرض نفسها عليه لعله يقتنع!