يتسوّر بحوثًا أكبر منه!

عرفه الناس مهووسًا يقوده ترند الوقت، يصدر مقاطعه فيما يجلب ضجة، لا فيما يحدث فائدة، وأنى لمن فقد شيئًا أن يعطيه، ولا يكاد يعرف شيئًا سوى توزيع ألقاب من مخترعاته: “مدجنة، مميعة” ونحو ذلك فيما فيه هدم لباب (الأسماء والأحكام) وتحويله إلى محاكاة لمصطلحات مقاطع أفلام الكرتون، كأنه لا ألفاظ شرعية في هذا الباب أصلًا، وكان من قبل قد نشر أن المدجنة ينقدون الهروي، ويتهمونه بالحلول الخاص، وأنَّ شمس الدين يقصد نفسه دافع عنه، وبهذا فهو يتهم ابن تيمية بالتدجين، أخذًا من عموم لفظه وهو الذي لا يحسن فك رموز (منازل السائرين) للهروي، الذي وقع بالجبر، وكان غاليًا فيه، فضلًا عن وصفه لتوحيد الرسل بتوحيد العامة، لا الخاصة، حتى يكون توحيد الخاصة لا يتم إلا مع إسقاط الأسباب الظاهرة، ثم خاصة الخاصة بإسقاط الحدث وإثبات القدم! فهذا ما الذي دافع فيه عنه، وهو لا يفقه ما فيه؟ وكان يعرضه على متابعيه، ويسمي لهم الكتاب، ويحيلهم إليه، ويفخم من شأن صاحبه، فإن كان التدجين تحسين البدع وأهلها، فكيف حالك مع الحلول الخاص؟

واليوم حين ورط نفسه مع أحد عوام الشيعة صار يتترس خلف مناظرته بأن من ينقده فإنما يقف مع خصمه، ونسي أنَّ من نقدهم ابن تيمية مثلًا كانوا أشهر من رد على أئمة خصومهم، وكانوا يردون على المتبحرين في مذاهبهم، أليس الباقلاني قد رد على الباطنية، والغزالي رد كذلك في (فضائح الباطنية)، وأصحاب التعاليم من الإسماعيلية، وحتى الرازي قد عمد إلى ابن سينا فشرح الإشارات، وملأ سطور بنقده، حتى سماه الطوسي بالجرح لا الشرح، وكما قال ابن القيم:

واقصد إلى الأقران لا أطرافها****فالعز تحت مقاتل الأقران

لكن ما شأنه والعز، والفخار، إذ هو عامي رد على عامي، وليس قرينًا لمن فوقه، ومع كل هذه الردود، أترى ابن تيمية قال أخشى أن يقال فيّ إني إن صرحت بقولي في وجه من رد على طوائف مخالفة فإنّي كذلك أكون قد وقفت مع خصومهم؟

بل قال عن مناظرات لا يترضيها فيمن تصدّر فيها: لا للدين نصروا ولا للعدو كسروا، بل لقد صحح ابن تيمية أصل السمنية وهم ملاحدة ناظروا جهمًا، أتراه أعان على الإسلام وأهله أيها الألمعي؟ فكيف بمن لم يجذبه إلى هذا إلا حصد المشاهدات، والآن صار يتحدث عن كل من ينقد أداءه على أنه مدجن، معادٍ للسلف، كأنه ممثل لأحد منهم، وهو في مناظرته لم يستطع تمثيل (فانز) قناته، حتى إنَّ منظم الحوار بينهما من أتباعه لم يملك نفسه عن التدخل مرارًا، ولو كان قد رأى الكفاية قد تحققت في ابن شمس، لكان فيه مقنع، وما رأى من نفسه اندفاعًا ليقطع ويتدخل، حتى أضحى طرفًا في (المهاترة) التي تسمى مناظرة فيما لم يكن يشبه شيئًا من المناظرات، بل هي حديث عامي لعامي! وقديمًا كان المحدّث لا يحدّث بالحديث وشيخه حي، لأنه يرى فيه كفاية، وعلو إسناد!

ومن أمثلة الهراء الذي كان يبثه ابن شمس، أنه لما قيل له أنتم تقولون: “كان في عماء فوقه هواء، وتحته هواء” قال على عجل: الهواء هو اللا شيء، على أنَّ لهذا الحديث صيغة كما في الترمذي وحسّنها: “ما فوقه هواء، وما تحته هواء”، وعلى طريقة ابن شمس، فإنَّ كلمة هواء تعني لا شيء، فهو لما نفى ذلك فقال “ما” فوقه وما تحته، فهو نفى النفي وهو إثبات، فيضحي فوقه شيء! دون أن يرجع لبعض من شرحه وأعاد الضمير في ذلك على العماء أي السحاب، لا الله، لكنَّ هذا دأب من لم يحصل، ولم يشم من المعرفة إلا ادعاءها، فهوّن عليك، وابحث عن مادّة تسترزق منها غير التشبع بما لم تعط، إنَّ المنى رأس أموال المفاليس.