فئة تتحدث عن الأثر والآثار، والتمسك بما كان من (السلف)، وتعيب على غيرها الكلام، والفلسفة دون تحقيق، وتتصدّر للمناظرات، حتى يقحم قائلهم نفسه فيما لا يحسنه، ويقول:
“سؤال هل الله سبحانه وتعالى مركّب؟ نحن نقول: هو غير مركّب، المركّب هو الشيء الذي كانت جزئياته متفرقة، ثم تركّبت بعد ذلك، الله سبحانه وتعالى لا ينسب إليه هذا الكلام، لأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء”!
(نحن) من تقصد؟ هل هم السلف؟ أين هذا من الآثار؟ وأين هذا من كلام السلف؟ بل لاحظ أنه نسب نفي التركيب إلى الآية، وهذا الكلام أي ذكر له في أثر عن صحابي أو تابعي؟ لكنه بسهولة يمكن أن تعثر عليه في (أساس التقديس) للرازي (606هـ) بأنَّ الله: “واحد منزّه عن التركيب “.
في حين لو أخذنا أحمد بن حنبل (241هـ) كما في كتاب (المحنة) لابن أخيه حنبل بن إسحق، فقد ذكر ما كانوا يقولونه له، فقال:
“إذا تُكلِّم بشيء من الكلام مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله ولا عندي خبر، قلتُ: ما أدري ما هذا! ما أعرف هذا”، فلا يثبت ولا ينفي الألفاظ من غير الكتاب والسنة، قال: “ولقد جعل برغوث [محمد بن عيسى ٢٤٠هـ] يقول لي: الجسم كذا وكذا، وكلامًا هو الكفر بالله العظيم، فجعلت أقول: ما أدري ما هذا، إلا أني أعلم أنه أحد صمد…” فما نفى ولا أثبت الألفاظ الكلامية، إنما أثبت الألفاظ الواردة عنده في الكتاب والسنة.
ولذا كان من أكثر ما رددته كتب ابن تيمية، وابن القيم، ومن تابعهما بعدهما أنَّ طريقة القرآن نفي مجمل، وإثبات مفصّل، وقالوا هذه طريقة القرآن (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) أما طريقة المتكلمين، فرأوا أنها انهمكت بالنفي المفصل والإثبات المجمل، مثل القول: لا هو جسم، ولا عرض، وليس مركبًا، ولا هو جوهر إلخ.
وهذا له لوازمه، فنفي التركيب وأنه لا ينسب إلى الله هل ينسحب على القرآن؟ وقد سلّم القائل أنّ الله ليس مركبًا ولا ينسب له هذا، مع أنَّ تعريف الكلام الذي يثبته له أنه حرف وصوت، لكنّه ليس أي حرف كان، بل هو حرف مركَّب بطريق مخصوص حتى يفيد معنى، ولذا جاء في ألفية ابن مالك: “كلامنا لفظ مفيد”، وفي الآجرومية: “الكلام هو اللفظ المركّب المفيد بالوضع”، وقال الأزهري (370) كما في (تهذيب اللغة): “الكتاب اسم لما كتب مجموعًا”، وبهذا فهو يقبل التفريق والتجريء.
فلما تنفي التركيب تغفل عن كون هذا هو الأصل الذي اعتمده من قال بأنَّ القرآن اللفظي مخلوق، لأنه مركب، والإله لا ينسب إليه التركيب، ولذا راعت المعتزلة هذا الأصل فقالوا: القرآن مخلوق، وراعته كذلك الأشعرية فأثبتوا الكلام غير المخلوق بمعنى أنه نفسي قديم، وليس حرفًا ولا صوتًا، وأن الأمر والنهي فيه معنى واحد، حتى لا يقعوا في مسألة (التركيب) هذه!
أما أحمد فلن تجد عنه نفي التركيب هذا، وبعدها يتحدث الواحد من هؤلاء عن التوقف عند الأثر، والتمسك بهدي السلف، الذين قالوا لهم اتركوا الجدل، ولا تجعلوا دينكم عرضة للخصومات، ولم يجعلوا الألفاظ الكلامية عمدتهم في النفي والإثبات.