تارة إجماع السلف، وأخرى الأشعرية معنا!

نازع الخليفي في إجماع السلف على عدم قبول الرواية عمن يحكمون بكفره، وفي سبيل إثبات الخلاف في هذا: قال هذا الجاربردي [746] قال: “رواية المجسمة تقبل وإن كفرناهم”، فالآن صار يعتد بخلاف الأشعرية الذين يراهم جهمية فيما يسمونهم كفارًا من الرواة ويتهمونهم بالتجسيم! وعنده الجهمية كفار باتفاق السلف، فعلى هذا فإنَّ الكفار عنده يعتد بهم في حكاية الإجماع والخلاف.

وكان الجاربردي قد كتب (السراج الوهاج في شرح المنهاج) شرح فيه المنهاج للبيضاوي، وهو مختصر من كتاب الحاصل للأرموي، وهو مختصر من محصول الرازي، والعبارة للبيضاوي ليست للشارح لكنه لا يفرق بين متن وشرح، قال البيضاوي: “كونه من أهل القبلة، فتقبل رواية الكافر الموافق كالمجسمة” رغم أهمية تنبيه الشارح، إذ قال الجاربردي: “اعلم أنه قال الأصوليون شرطه الإسلام، وإنما عدل المصنّف إلى هذه العبارة، لأنَّ المجسمة كفار عند الأشعرية”، فالمصنّف عدل عما يشترطه الأصوليون.

رغم أن البيضاوي اشترط العدالة وقال في حدّها: “ملكة في النفس تمنعها من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة”، وكفر الاعتقاد هل يراه الخليفي من الرذائل المباحة، أو لا يدخل في الكبائر، لكن لا علينا فلو رجعنا إلى البرهان للجويني فإنه يقول: “فصل في صفة الرواة: العقل والإسلام، والعدالة معتبرة وأصحاب أبي حنيفة وإن قبلوا شهادة الفاسق لم يجسروا أن يبوحوا بقبول رواية الفاسق فإن قال به قائل فقوله مسبوق بإجماع من مضى على مخالفته”.

لكنّ الخليفي جسر على ذكر الخلاف في الكافر لا الفاسق، فينازع في الإجماع الأول على عدم قبول رواية الكافر، رغم أنه لا يستعمل هذه الطريقة في غير هذا الباب، ففي مقال له بعنوان: [هل نقل ابن تيمية خلاف السلف في دخول الجهمية الثنتين وسبعين فرقة؟] نقل كلامًا لابن تيمية وفيه: “قال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة وجعلوا أصول البدع خمسة” فعلّق قائلًا: “تأمل قوله (وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم) ولم يقل من السلف”، وهكذا فأصحاب أحمد هؤلاء ليسوا من السلف عنده ولا يعتد بهم في خرق الإجماع بنظره، لكنَّ بعض متأخري من يراهم جهمية يجعلهم جزءًا في الإجماع وخرقه.

ويشرح الخليفي قراءته لابن تيمية بنظره فيقول: “يرى أن هذا القول بدعة وخلاف اتفاق السلف، وينسبه لجماعة من أصحاب أحمد بمعنى المتمذهبين بمذهبه في الفروع، وعليه كلمة (من أصحاب أحمد) لا تساوي (السلف) عند ابن تيمية”، ويكمل: “حين يقول ابن تيمية (أصحاب أحمد) فهو لا يريد السلف ولا الاستدراك على إجماع السلف، فقد نسب لـ(أصحاب أحمد) يعني جماعة منهم أقوالاً هو يقطع بمخالفتها لاتفاق السلف” فاتفاق السلف بنظره لا يخرقه أصحاب أحمد.

كل هذا ليصل إلى النتيجة بأنَّ تكفير الجهمية متفق عليه بين السلف، وفي الرواية يقول: “الرِّواية لا تختلف عن أحمد في عدم جواز الصلاة ومناكحة والرواية عن اللفظية والجهمية الصرحاء والمعتزلة، وهذا عليه عامة أهل السُّنة لهذا لم يُخرَّج لأحد من اللفظية والجهمية الصرحاء في الكتب الستة”، [من مقال له بعنوان: الرد على عبد الله الغليفي] فعامة أهل السنة على هذا القول بنظره، ولكنه يجعل المسألة خلافية بحجة أنَّ بعض متأخري الأشعرية قالوا يجوز الرواية عن المجسمة وهم كفار عندهم، وفي صوتيته نفسها يقول: “الرواية في القرون الأولى لها شروطها فيها تشديد” فقد كانوا يشددون فيها جدًا دون اشتراط الإسلام، ألم ينقل الخليفي ذلك عن واحد من القرن الثامن؟