الخليفي يوسع الخلاف متى شاء، ويقلله متى شاء بالهوى
قال بأنه برأ هشام بن عمار من التجهم بأي حجة؟ بحجة أنه وجد أثرًا رواه ابن عساكر-وهو لا يصح سندًا-لكن سنمضي جدلًا معه حتى النهاية، ماذا في الأثر؟ جاء فيه بأنَّ هشام بن عمار قال بأنه ليس لفظيًا، فهل كان كلام أحمد فيه لمسألة اللفظ فقط؟
الواقع أن الخليفي يتلاعب، فقد كان ذلك في أكثر من مسألة، ومنها أنَّ أحمد ورده كتاب وفيه سؤال عن هشام بن عمار، وفيه: “سلْ لنا أَبَا عبد الله عن الصّلاة أنّه قال فِي خطْبته على المنبر: الحمد للَّه الَّذِي تجلّى لخلقه بخلقه”.
قال المروذي: “فسألت أَبَا عبد الله فقال: قاتَلَه اللَّه، أو دمّر اللَّه عليه، هذا جَهْميّ، اللَّه تعالى تجلّى للجبل، يقول هُوَ: اللَّه تجلّى لخلْقه بخَلْقه. إن صلّوا خلْفه فلُيُعِيدوا الصّلاة”! لاحظ هذا جهمي في هذه المسألة تحديدًا [تجلى لخلقه بخلقه].
فأين تبرأ هشام من هذا الكلام؟ نكمل، قال أبو طالب: “سمعت أبا عبد اللَّه سئل عن حديث هشام بن عمار أنه قرئ عليه حديث: “تجيء الرحم يوم القيامة، فتتعلق بالرحمن” فقال: أخاف أن تكون قد كفرت، قال: هذا شامي ما له ولهذا؟” ويرويها المروذي قال: “رفع المحدث رأسه وقال: أخاف أن تكون كفرت، فقال أبو عبد اللَّه: هذا جهمي.”
فأين تبرأ من هذا لو أننا جدلًا ثبّتنا أنه تبرأ من مسألة اللفظ؟ فهب أنه خرج من مسألة اللفظ، فما بالك تلغي كل ما وصفه به أحمد وأسبابه بحجة أنه تبرأ من اللفظ؟ وعلى طريقته البائسة في التشنيع: أحباب جهم فرحوا بهذا الدفاع! وعلى طريقته وهو الذي قال مرة في مقال له بعنوان (نقد ترجمة أبي حنيفة في تهذيب الكمال للمزي): “إذا قلنا عن هذا الرجل (إمام فقيه) فإننا نتهم الذين تكلموا فيه بالظلم وهذا إسقاط لعدالتهم فإن الظلم الشديد لرجل صالح مسقط للعدالة” فابن حنبل، يتهمه بالتجهم في أكثر من مسألة، وأنت تقول لا لم يصح أنه جهمي لأنه نفى مسألة تتعلق باللفظية، رغم أنَّ أحمد يجهمه في قضية التجلي، وفي مسألة رد حديث تعلق الرحم بالرحمن! وأي ظلم أعظم في اتهام سني بالجهمية؟
وهذا يظهر أنَّ من فرحوا برد الخليفي، يظنون أنَّ شيخهم متى رد، فقد كفاهم مؤونة البحث، وأن الحجج تقام بوضع أي كلام ولو كان لا يساوي حبره تحت اسم الرد! ويبقى موقف الخليفي هزيلًا وهو يدافع عمن جهمه أحمد في مسائل وليس في مسألة واحدة كما يوهم أتباعه، فهذا كمن يجهمه إمام لموقفه من الاستواء، والعلو، فيقول: كيف تظلمه فقد نفى أنه لفظي.