هشام ابن عمار، ومسرحية عبد الله الخليفي.

بعد أن ألزم سمرين الخليفي بأنه يصحح أحاديث من طريق هشام بن عمار، ويعتبره من الثقات الكبار، مع تكفير أحمد له لقوله باللفظ، خرج الخليفي برواية في كتاب العلو للذهبي (٧٤٨ه‍) يدعي أن فيها إثبات براءة هشام بن عمار من قول اللفظية.

والرواية من حيث الأصل، أول كتاب جاءت فيه، هو تاريخ دمشق، لابن عساكر (٥٧١ه‍)، والذهبي (٧٤٨ه‍) نقلها من ابن عساكر (٥٧١ه‍) مع حذف نصف السند، فما سند هذه الرواية كاملًا؟

1- السند الذي ينقله الذهبي (٧٤٨ه‍) : قال أبو الفضل يعقوب بن إسحق بن محمود الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد بن منصور البزاز، سمعت هشام بن عمار ويبلغه أن أناسا ينسبونه إلى اللفظية، فغضب وقال: القرآن كلام الله وليس بمخلوق [١]

2- السند الأصلي لابن عساكر (٥٧١ه‍) : أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي بكر بن أبي الرضا الفامي حفيد العميري أنا أبو عاصم الفضيل بن يحيى الفضيلي أنا أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الخذاباني الوراق نا أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه الحافظ نا عبد الله بن محمد بن منصور البزاز قال سمعت هشام بن عمار وبلغه أن اناسا ينسبونه إلى اللفظية فغضب [٢] إلى آخر الرواية.

الذهبي كما نرى، يبدأ السند من أبي الفضل، ويحذف من قبله: أبا علي الحسن بن محمد الخذاباني الوراق. والخليفي ينقل النزاع إلى الجزء الذي كشفه الذهبي من السند: أبي الفضل، وعبد الله البزاز.

لكن (أبو علي الحسن بن محمد الخذاباني الوراق) الذي تدّعي الرواية أنه نقل عن (أبي الفضل) هو مجهول العين، لا مجهول الحال فحسب، لا وجود لاسمه، ولا ذكر له، في غير هذا الموضع في كل كتب التراث أجمع، فليس له ذكر في غير تاريخ دمشق لابن عساكر.

حتى أن الذهبي في كتاب العلو، لما أراد براءة هشام، حذف الخذاباني من السند، إلى من قبله من جهة ابن عساكر لأنه مجهول عين. وهذا لا يرتضيه الخليفي عندما ينقل الذهبي بنفس الأسلوب في براءة أبي حنيفة وإمامته، ولكنه هوى الانتقاء، واختار الخليفي أن يجعل العلو للذهبي مصدرًا، لتكون المسرحية (باسم الذهبي) مع أن الذهبي هنا ليس بمصدر، بل هو مرجع ثانوي، بخلاف (تاريخ دمشق) فهو المصدر لهذه الرواية.

مع أن الأمانة العلمية، التي يتبجح الخليفي بها، تلزمه أن ينقل كل السند ما دام الموضع موضع حجاج، لا أن يركن لقشة الايهام بأن موضوع السند منحصر في الذهبي، فليس الذهبي (٧٤٨ه‍) هنا غير ناقل من تاريخ دمشق لابن عساكر (٥٧١ه‍)، والذهبي حذف من السند رجلا هو (أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الخذاباني) وهو مجهول عين وحال.

والطريف أن أتباع الخليفي على كثرتهم، ليس فيهم من يدقق خلفه، إلا لغويًا، وهذه حالة الولاء الأعمى، ولو أخّرت هذا المنشور إلى شهر، لن يبرز من بين مريديه واحد يستدرك بأن الرواية وماء البحر سواء لأن في سندها مجهول عين.

[١] العلو للذهبي (٧٤٨ه‍)، ص١٨١ (بالأحمر)

[٢] تاريخ دمشق لابن عساكر (٥٧١ه‍)، ج٣٢، ص٣٧٠ (بالأزرق)