متناقضًا كلما تكلم (١)

ثم خرج الخليفي بصوتية بعنوان (جولة إضافية في كشف التحامل) قال فيها (فيقولون لك يدافع عن الجهمية، هذه اسمها مصادرة عن المطلوب يا جماعة العقليات، فالبحث أنني أبريه من الأمر) هذا وهو يثبت أن الهروي بلسان ابن القيم كان من الجهمية الغلاة في الجبر، بأشد مما هو عليه الأشعري.

ويكرر الخليفي قائلا في غيره: لا تقل أني أدافع عن الجهمية ما دمت أقول ببراءة الشخص من مقالتهم. ويتجاوز أن هنالك كتابا للهروي (٤٨١ه‍)، مطبوع، بعنوان: منازل السائرين، قال فيه:

“وهو أن لا تشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سببا ولا للنجاة وسيلة” [١] وقد علق عليه ابن القيم بقوله “والقول بإسقاط الأسباب هو توحيد القدرية الجبرية، أتباع جهم بن صفوان في الجبر، فإنه –الهروي- كان غاليا فيه” [٢]

وفي معرض كلامه عن موقف ابن تيمية من الهروي في مقال له بعنوان (لا يترك حق لباطل) يقول الخليفي:

“فصرح بموافقته للجهمية مع أنه يكفرهم! ، بل صنفه في غلاة الجبرية هو والأشعري … ولم أجد أحداً في زمن السلف بل قبل هذا العصر ينص على أن المخالفة المنتشرة بين الناس إذا كانت تنسب إلى رجل جليل أنها لا ترد ، فهذا تأصيل غريب عجيب وهو من ترك الحق للباطل، ومن تعظيم الأشخاص على حساب الدين بل ومن الخيانة للمسلمين ، وهذا تأصيل محدث ما قال به أحد من السلف بل كون المخالفة تنسب إلى رجل جليل فإن ذلك أدعى لردها، لأن نسبتها إلى معظَّم أدعى لانتشارها بين الناس ولا فرق في هذا بين خطأ في العقيدة أو الفقه أو التفسير أو الحديث فالأمر كله دين وينبغي أن يرد على المخطيء خطأه في هذه الأبواب كلها حفاظاً على الدين ونصحا للمسلمين” [٣]

ثم يقول الخليفي"وقد احتال الحزبيون قديما حيلة خبيثة فصاروا ينسبون كل من يرد عليهم إلى خدمة العلمانيين والليبراليين" [٤] وهو ما إن تبدأ معه المحاققة، حتى ينسب من نقده في الهروي إلى الأشعرية ومذهب أهل الرأي، والطريف أنه يسمي هذا حيلة خبيثة.

والخليفي يرى أن المخالفة إذا كانت تنسب إلى رجل جليل فإن ذلك أدعى لردها، لأن نسبتها إلى معظَّم أدعى لانتشارها بين الناس، وما إن يحال إلى فحص المنهج، يقول “أنا أبريه من مقالتهم” ويجعل البراءة متعلقةً بالحلول فحسب، على أن الخليفي لو شرب حبر الأرض ما كتب حرفًا في براءته من الغلو في التجهم، وهو قول ابن القيم وابن تيمية فيه، ولكن يتخلّف حكمه عنه بالتجهم ما إن يبدأ التناغم العاطفي، فهو شيخ الإسلام وإمام المسلمين، ولكنه من غلاة الجهمية في القدر.

والهروي على قوله باسقاط الأسباب، كان يقول في باب الصفاء “الدرجة الثالثة صفاء اتصال يدرج حظ العبودية في حق الربوبية ويغرق نهايات الخبر في بدايات العيان ‌ويطوى ‌خسة ‌التكاليف” [٥]

فمرحلة من مراحل الصفاء لديه أن تسقط عن المصطفى “خسة” التكاليف، وهو نفس المسار الذي لف في دائرته ابن عربي الطائي، مخاطبا الولي الصاحي، قائلا “لا يزال الولي لا يقسط عنه خطاب الشرع بالأعمال، إلا أن تغلب عليه حالة تصيره كالمجنون أو المغمى عليه” [٦] وهو الذي يقول في مقام مخاطبة العوام “الزلل الذي يقع فيه من لا معرفة له ممن ذمه الشرع من القائلين بإسقاط الأعمال” [٧]

والخليفي يقول قد تأول ابن القيم كلامه، وقد كتبوا قديما في تأول كلام ابن عربي أيضا، وفعل ذلك الهيثمي وغيره، ولكن المحاققة تسقط تسمية الرجال، والبحث يكون بتمحيص قول القائل بعينه.

والخليفي ما إن يعارضه مخالفوه في التكفير بفهم ابن تيمية لكلام السلف، حتى يقول “من الغلط جعل كلام السلف لا يفهم إلا من طريق ابن تيمية”، فهو يفرق بين المتماثلين، فإن كلام الهروي بين أيدينا، وكتابه مطبوع، وكتبه بالعربية.

ويقول الخليفي أن الهروي مختلف فيه، في قوله بالحلول، ويجعل هذا مُخرجًا له عن المساءلة العلمية، وينسى أنه هو القائل في أبي حنيفة ملزمًا غيره “لماذا تترحمون عليه وقد اختلف في موته جهميا”، ويجعل الخليفي هذا الدين متصرفا له، ولا يقول حكما، ولا يطلق قاعدة إلا نقضها على بساطة أدواته في البحث.

المراجع:

[١] منازل السائرين، الهروي، ص١٣٧. [٢] مدارج السالكين، ابن القيم، تحقيق المعتصم بالله البغدادي، ج٣، ص٤٥٨- ٤٥٩ [٣] مقال الخليفي: لا يترك حق لباطل: https://alkulify.com/%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D8%AD%D9%82-%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D9%84/ [٤] نفس الرابط السابق. [٥] منازل السائرين، الهروي، ص١٠٣. [٦] الإنباه على طريق الله لابن عربي ويليه شرح الصلوات الأكبرية، بدر الحبشي، ٢٠١٩، ص٥٢. [٧] نقله عنه شارح القصيدة النقشبندية، ص٢٥٣.