في التدريس، ألف باء مقالة الهروي (١)

يحاول الخليفي تقديم الهروي على أنه منزه عن القول بما نسبه له ابن تيمية، قائلا بأنه ألف (ذم الكلام). والخليفي لا يبحث المنازل مستقلا وإنما يستتر خلف ابن القيم تارة، ويجعل عماده في القرائن أن الهروي ألف ذم الكلام، ولا يدري أن مجمل رؤوس التصوف الفلسفي، ليسوا راضين عن علم الكلام، والهروي يصنّف توحيده بأنه “توحيد الصوفية” [١]

والهروي (٤٨١ه‍) يرى أن “توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والشواهد هي الرسالة والصنائع، يجب بالسمع” [٢] وهو نفس النسق الذي كان يسلكه من قبله ابن سينا (٣٧٠ه‍) “الشرائع واردة لخطاب الجمهور بما يفهمون، مقربا ما لا يفهمون إلى أفهامهم” [٣]، فالعامة هم الجمهور، والرسالة هي الشرائع، وتوحيدهم هو مفهوم الشرع.

والهروي الذي سطّر عنوان (ذم الكلام) وأكفر فيه أهل التأويل، كان متسقا مع نفس النسق الصوفي الذي يعد انقلابا على السطوة الكلامية لقرون، وليس (ذم الكلام) ببعيد عن تلك الكُليمات التي ترددت فيما بعد على لسان ابن عربي الطائي (٥٥٨ه‍) وهو يخاطب أحد العوام عن أهل الكلام، قائلا:

“وأين استواء بِشر على العراق الذي هو عبد، من استواء الخالق” [٤] ويقول “ولكن إطلاق الاستقرار أولى لكون العرش جاء في الحديث بمعنى السرير” [٥]

ويقول في المتكلم “فإن غايته أن انتقل من التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فوقه في المرتبة” [٦] ويحكم على الأشعرية بالهلاك: “عليك يا أخي بالتسليم لكل ما جاءك من آيات الصفات وأخبارها فإن أكثر المؤولين هالكون” [٧]

ويحكم على الأشعرية بجرح إيمانهم “اعلم أن الخير كله في الإيمان بما أنزل الله والشر كله في التأويل فمن أول فقد جرح إيمانه” [٨] ويقول “لا بد أن يُسأل كل مؤول عما أوله يوم القيامة ويقول له: كيف أضيف إلى نفسي شيئا فتنزهني عنه، فإن حقيقته تعالى مباينة لجميع صفات خلقه وحقائقهم”[٩]

فهل يقال لا يستقيم حمل معاني الحلول والاتحاد، في كلام ابن عربي، بدليل إكفاره المتأولين، أشاعرة ومعتزلة، والطعن في إيمانهم، وأنه على تمام المباينة لأهل النفي؟