الهروي، الخليفي، ابن تيمية وابن القيم (٣)

ومع أن الخليفي يثبت لأبي إسماعيل الهروي قوله بالحلول الخاص، فغالب الناس لا تعرف معناه، وللتوضيح فالحلول الخاص هو “إثبات شيئين متميزين اتحد أحدهما بالآخر أو حل فيه وهذا إنما يقوله من يقول بالاتحاد الخاص المقيد أو ‌الحلول ‌الخاص المقيد” [١] أي إتحاد الإله بإنسان خاص.

ومع هذا لا يزال يقول بإمامته، ومشيخته للإسلام، ويدافع عنه قائلا هو حلولي خاص فحسب، وقد يكون الخليفي أجنبيا عن إدراك معنى أن تنسب (لشيخ الإسلام) القول (بالحلول الخاص) وتعذره لعاطفتك مع أنك بالغ التشنج مع غيره، وكأن الأمر فرع عن نشاط حزبي.

ولا يدرك أن منشأ كفر النصارى هو هذا النوع، وقد أطنب ابن تيمية عند تعرضه لحلول الهروي أن ينسبه لمقالتهم، فهم يثبتون حلول اللاهوت بالناسوت، وهو نفس حلول الإله عند الهروي بإنسان يسميه العارف.

ولهذا كان ابن تيمية يقول “حتى صاحب منازل السائرين في توحيده المذكور… وهؤلاء يقولون في أهل المعرفة، ما قالته النصارى في المسيح والشيعة في أئمتها” [٥]

ولشيء من البيان، فإن الفرق بين الحلول العام وبين الخاص، أن العام رأي من يرى حلول الإله بعموم الحدث، بخلاف الخاص، فهو أن تثبت وحدة الإله بحادث مخصوص، وهو إنسان، يختلف من فرقة لفرقة، وهو “قول النصارى في المسيح، والغالية في علي” [٢] “وقول الهروي في حق العبد العارف الواصل” [٣]

والخليفي يصور لقرّاءه أن الحلول الخاص ينجيه من التعرض لمساءلة، وهو الذي عهد منه متابعوه الغضب لمعتقد السلف، وأنه لا يرفع رأسا بمن تكلم في توحيد الله بعظائم، وهو اليوم يفضح نفسه بإثبات إمامة من يثبت له قولا بحلول الإله في ذات إنسان، فهل كان السلف – وهو المتكلم باسمهم- يرتضون إمامة مثل هذا؟ ولكن لأجنبيته عن الصناعة النقدية ليس بمتصور مآل قوله، وقد صار اليوم إلى إنهاك نفسه بالدفاع عن إمامة قائل بحلول الإله في مخلوق بعينه.

وأما من ينقل عن ابن تيمية براءة الهروي عن القول بالحلول، فهذه صناعة الأجنبي عن تراث الشيخ، وقد فسّر الذهبي ذلك بقوله “وقد كان شيخنا ابن ‌تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحط عليه ويرميه بالعظائم بسبب ما في هذا الكتاب” [٤]

فهذا تغير موقف الشخصية العلمية، ولاحظ قوله (صار يرميه بالعظائم) بعد اطلاعه على المنازل. ولاحظ وضعك في أواسط طلابك وكأني بك على مراتب العشق الإلهي لجلال الرومي بمولويا الصوفية منشدًا أبيات: ما وحّد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد…

[١] مجموع الفتاوى، ج٢، ص٤٥٠. [٢] الرد على الشاذلي، لابن تيمية، ج١، ص٢٢٥. [٣] مجموع الفتاوى، ج٥، ص٤٨٥. [٤] تاريخ الإسلام، الذهبي، ج١٠، ص٤٨٩. [٥] مجموع الفتاوى، ج٥، ص١٢٦.