لا يرتعد صوتك!

بعد صدور كتاب باسم السلف، ظهر المرود عليه في صوتية ينازع أنفاسه، يتلعثم بكلماته، تكاد تسمع منها ارتجاف قلبه، فبدأ بقوله: (تمخَّض الجمل فولد فأرًا)، واصفًا بعض ما في الكتاب بقوله: “هذا من أنجس القياس” رغم أنَّ القياس عملية ذهنية تكون صوابًا أو خطأ، لا بالنجاسة، لكنه أصرَّ على هذه اللغة، ولا غرابة متى شتم الرعديد من بعيدٍ لبعيد.

ولفظ المثل الصحيح “تمخض الجبل” لا “الجمل” ومع ذلك يبقى جبلًا، أما المسوخ فلا تكاد تنتج إلا مسوخًا، وقال بأنه لم ينقل الإجماع على عدم الرواية الدينية عن كافر، بحجة أنه ينقل الإجماع في مسألة فقهية وهي تحريم جمع المرأة في النكاح مع عمتها وخالتها، رغم أنه عيّر الإمامية برواية كافر عندهم بنظره في المقال.

وقال بأن هذا قياس! مستعيرًا كلمة من الشافعي في القياس، فهذا هو مستواه، وفهمت عنه المليشيا الإلكترونية أنه لا ينكر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كافر! فإن كان وصف الكفر غير مؤثر في كلامه فلم ذكره في هذا المقال؟ هذا مثل من يقول: كيف تقبلون الرواية عن أبيض، ثم يقول لم ينكر عليهم الرواية عن الموصوف بهذا، فلم يحشو كلامه بهذا الوصف إذن؟

على أنَّ المسألة الفقهية المنقولة من تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها نُقل فيها قول مخالف، فذكر ابن المنذر أنه لا يعلم فيها خلافًا في عصره، وهذا يشير إلى خلاف سابق، ونقل ابن دقيق أنها قول الجمهور ولم يصرح بقول المخالف لكنه راعى وجوده، كذلك نقل القرطبي هذا القول عن طائفة من الخوارج لم يعتد بهم، واعتذر عنهم ابن حجر بأنهم لم يثقوا برواة الرواية، وهذا يستقيم مع أحكام الخوارج على الناس.

ومع ذلك لم ينقل عن طائفة مسلمة واحدة أنها أجازت الرواية عن كافر عن النبي، بل ذكر أهل المصطلح، والأصول شرط الإسلام في رواة الحديث، وذلك أنَّ هذا مما يشترك بين الرواية والشهادة، وفي الشهادة (من رجالكم) أي: من أهل الإسلام، (ممن ترضون من الشهداء)، فهي أظهر من المسألة التي نقل فيها الإجماع!

فاختار مرافعته الهزيلة بعدم تسليمه الاتفاق على عدم الرواية عن الكفار عن رسول الله، مثل: حدثني أبو جهل مرفوعًا، وصار ينازع في هذا ولا يرى فيها إجماعًا، وأدنى طالب علم يعرف أنَّ الرِّواية عن الكافر في الحديث من أعظم محاذير الرواية، فلا شهادة لكافر على مسلم في غير الوصية عند من حضرته الوفاة في السفر [كما في الإقناع لابن القطان] فكيف بذلك على الله ورسوله؟

بل ذهب يقيسها على ثقة خالف الثقات! فانظر كيف يقيس رواية يقال فيها شاذة ولو من إمام، وبابها الوهم والنسيان والخطأ، على كافر لا يؤمن بالإسلام، فإن وهم ابن مسعود في حديث مثلًا، يقابل بالرواية عن قسيس لحديث مرفوعًا متى كان في المتابعات! وعلى هذا لا يبقى لوصف الإسلام والكفر عنده من تأثير فكلهم يصح في المتابعات والشواهد، وبهذا يشير إلى رأيه بأنه إن وجد زنادقة يشهدون على الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل صار الحديث بتعددهم صحيحًا لغيره!

وهو نفسه ينقل ويحتج بأنَّ الرواية عن الواقفة لا تجوز! فلو علم شيئًا من الفقه لسأل نفسه لم كانوا يتنازعون في الرواية عن المبتدع؟ وعلى أي أصل فقهيًا كان قول المانع؟ فإن كانت البدعة بريدًا إلى الكفر ووقع النزاع في الرواية عن أهلها، فما أن يصبح الراوي كافرًا حتى يقول الخليفي مسألة محتملة في المتابعات!

فهو يقعد لتكفير رواة بأعيانهم، ثم يصحح من طريقهم، ويوثقهم بأعيانهم، ولا يرى تناقضًا في هذا، ويصير من ألزمه باشتراط الرواية عن مسلم في الحديث قد قال بقياس فاسد نجس! فهو يقعِّد شيئًا لا يعرف بين فِرق المسلمين جميعًا، بجواز تكفير أحد بعينه ثم قبول روايته وشهادته على رسول الله، بل يقول هذا في المتابعات والشواهد، والكافر لا يقبل في الحديث أصلًا وفرعًا، وهو ظنين تحريف وعداوة دينية، وسقوط عدالة، ومع ذلك اختار مرافعته بهذه الطريقة.

وحتى الإمامية الذين يوهم أنه رد عليهم، راعوا هذا الأصل فانتهت رواياتهم إلى من يرتضونه من علي وذريته، ولم ينهوها إلى معاوية مثلًا، فكانوا أعظم مراعاة لأصل الرواية عن العدل المسلم عندهم، من هذا الذي يجوزها عن كافر عنده، وكان أهل السنة الرادون عليهم يقولون إن حكمتم بكفر الصحابة ضاع الدين الذي ينقلونه، وهذا كله مراعاة لأصل عدم الرواية عن الكافر في الدين.

والقياس يكون حين لا تقول بقول تصرّح به بنفسك أما أن تصرِّح بمنع الرواية عن الجهمية والواقفة، ولا تعرف لهذا أصلًا فقهيًا، فهو ينبئ عن حال المتصدّر لحصد الإعجاب، من قوم لا وزن لهم في تقييمه علميًا، وكم من طائفة رفعت جهّالها، ممن يفكرون بالدرجة نفسها من الصعوبة التي يلتقطون بها أنفاسهم!