الوالد القائد!

حين كتب جون لوك كتابه (المدنية) كان من أهم الأفكار التي نقدها ما ساد قبله من نظرة أرستقراطية للحكم، تلك التي ترى أنَّ الحاكم والد الشعب، والده الحنون، الرشيد، الأدرى بمصالحه منه، وأحرص عليه منه، واعتبر نقده حينها تنويرًا كبيرًا في أوروبا بأنَّ الزعماء، والقادة، والحكام، ليسوا آباءً، فالحاكم ليس والدك، وليس له هذا المقام، فالوالد يملك سلطة طبيعية في البيت، وتنتقل عنه طبيعيًا، بمعنى أنه سيهرم، ويكبر، ويضعف، وتنتقل المسؤولية بسلاسة إلى غيره حتى يرعاه، وليس كذلك الشأن السياسي، كما أنَّ الاحترام الذي نمنحه لكبار السن، لا يعني بتاتًا أنَّهم قادرون على أن يكونوا في موضع القرار والمسؤولية، وهكذا فصل لوك النظرة الأبوية عن الحكم نظريًا، هذا في ثقافة ترى موضع الأب يدخل في تصور الألوهية، ففي الثالوث (الأب، الابن، الروح القدس)، أما في الإسلام فقد حرَّم التبني نفسه، وقال: (ادعوهم لآبائهم) هذا فيمن تبنى إنسانًا بحق، وأنفق عليه، وسهر عليه، لا يكون أبا له، وليس له حكمه، لكن مع ذلك لا يزال العديد من الناس لا يستطيعون الحديث عن مشايخهم إلا بوصف: “سماحة الوالد” ولا يستطيعون الحديث عن القادة السياسيين إلا بلفظ “الوالد”.