البقاء للأجمل!

هكذا أنهت فاطمة ناعوت لقاءها في بودكاست مع إسلام بحيري الذي يفترض أنه حوار ثقافي! رغم أنه لم يتطرق أبدًا لمسألة بحثية واحدة في التراث الإسلامي، ولا لأي إنجاز كشفي أو بحثي للضيف، بل كان حوارًا سياسيًا فيه تشريق وتغريب من التاريخ، مختصره أنَّه يشكر المنصة التي تنفق على هذا التجمع-وهذا أهم ما فيه-وأنَّ العالم مقبل على سماع صوت التنوير أخيرًا بعد المنع الذي سلكه النظام السياسي من قبل، مع مسحة من النضالية الزائفة، تكاد تسمع فيها لحن (نشيد الأممية) حين تتمنى ناعوت أن تمضي حلقاتها على خير!

لم تحضر ناعوت جيدًا في للقائها، فبدأت بسؤاله عن (السَلَ…الرجعيين)، تريد أن تسأله عن السلفية لكنه النضال يا سادة تحت رقابة الغستابو! بل أحيانًا تستعمل لفظ متطرف، لكنَّ ضيفها يصر على استعمال لفظ المتدين، وحين تكلم عن الإسلاميين قال: عندهم ويذكر آية من القرآن مثلًا، بهذه الطريقة الصبيانية التي لو كان الضيف دبلوماسيًا من كوريا الشمالية لتجنبها، ثم دخل في موضوع النقاش الذي لا تكاد تعرف منه موضوعه سوى كلمة عائمة في هذا السِّياق تدعى (التنوير) التي تتحول إلى سلفية متصلة السند حين يتحدث هو وناعوت عن “أجدادنا”! وهي تقول له: ابن رشد!

وتسأله هل حصر ابن رشد الثقافة في النخبة لما قال: “إنَّ الفلسفة للخاصة”، لم يفهم كلامها وقال لها هو قال لتلاميذه أن ينزلوا بالفلسفة إلى العامة متى كان هذا؟ لعله يقصد تروتسكي لا ابن رشد! مجرد تهريج ثقافي، ومن بين حديثه السياسي الذي يتجاوز كل مشكلات المنطقة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، يصور التاريخ كأنه صراع بين متنورين [وهم في الواقع أشخاص يتمسح باسمهم] وبين إسلاميين، ويقول بأنَّ الأنظمة في سابق عهدها تحالفت مع التيارات الدينية لإنشاء مجتمع سكوني، أي مستقر سياسيًا للقضاء على المعارضة.

وفجأة يتحدث عن أهمية محاسبة الناس على أفكارهم، لأن تلك التيارات [الرجعية] تنتظر تنفيذ دموية أفكارها، وهكذا يريد أن يلعب الدور نفسه لكن لسحق معارضة الإسلاميين، وبعبقرية قال الفرق بين التنويري وهؤلاء أنَّ التنويري لا يمكن أن يقتل، ويظهر أنه يخلط بين أفكار بوذا، وبين التنوير الذي يتبجح فيه بذكر مارتن لوثر، ويغفل عن الحرب الدينية التي أطلقها الانقسام بين البروتستانت والكاثوليك، فإن كان انتشار التيارات الدينية تلك لقمع المعارضة، فمن قال بأنَّ المعارضة العلمانية لا يوجد فيها تيارات ثورية؟

بالمناسبة كلمة ثورة كلمة علمانية ليست دينية، وهو نفسه يجعل سياسات عبد الناصر فيها تنوير، ولم يذكر كيف وصل ناصر للحكم؟ ويتناسى الاغتيالات السياسية التي شارك في واحد منها أنور السادات من قبل، وإن أحب الرجوع إلى فلاسفة التنوير فلم يكن كثير منهم يتسامحون مع الملحدين كما يفترض.

ونقل خلافاته مع بعض المشهورين في وسائل التواصل، وذكر أنَّ كثيرًا من الإسلاميين نشروا العديد من الخرافات، هذا صحيح، لكن نشر الخرافات يشمل تيارات علمانية، كجلسات تحضير الأرواح في بداية القرن العشرين، وأفكار مثل (تصوف الطبيعة)، وأفكار الطاقة، إسلام بحيري، وجماعة أوشو، وهي في الأساس من أطر غير دينية، ففكرة أنّه سيجعل مجتمعًا ما علميًا بادعاء التنوير محض هراء.

وفي اللقاء أطلق تحذيرًا من خطورة تبعات ما يجري في فلسطين على المنطقة بين المتعاطفين، ومن بين الكلام الذي طرقه مسألة أنَّ القضية الفلسطينية لا يمكن أن تختزل في الأقصى-وهذا قد كتب فيه محمود درويش مقالًا قديمًا-لكنّ بحيري أتبع كلامه بأنَّ المسجد الأقصى مثله مثل أي مسجد، ولربما لا يكون في فلسطين، بهذا التبجّح لا يحرِّف في التاريخ الديني فقط، بل يتماهى مع خطاب سياسي معلوم منذ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولم يبق إلا أن يقول: جبل صهيون وباقي السردية المعلومة للجميع!