في السِّياسة لا مكان لحرف (لو): لو أنَّ معك ملايين الدولارات لفتحت مشروعًا، لا أحد يفتحه بهذا الأمنية، لو أنَّ العرب متحدون، لو كنّا على الحدود في سياق لوم الجغرافيا، لو فتحوا الحدود، لو أنَّ العالم عادل، لو كان بيننا فلان، بل هي تتعامل مع الموجود، وتتحرك بالممكن فيه، فهذا هو العالم، وهذه هي الجغرافيا، وهذا هو الواقع.
وفي السِّياسة لا توجد حلول فردية، فهي مماثلة لدور الفرد عند انخفاض عملة بلده مقابل الدولار، فالسِّياسة هي التعامل الجماعي المنظم، لتحقيق هدف مصلحي جماعي، لذا وجدت الدول، والأحزاب، فالسِّياسة علم موضوعي، ليست مكانًا لإثراء الصُّور الأدبية، والتنافس فيها بالأشعار، ولا البلاغة، بل بالسَّعي لتحقيق إنجاز مرصود، ومما يقرّب إلى فهمها إدراك الفارق بين الجدوى، والشرعية، فهو ما يميز السِّياسة عن غيرها، فنقاش جدوى مشروع مختلف عن مناقشة حكمه وهل هو قانوني، وكثيرًا ما يتحدّث الناس في جانب السِّياسة كقانونيين (سؤال الحق)، وليس كساسة (سؤال الإنجاز).
وكما أنَّ الرَّأي العام مهم دومًا، إلا أنَّه يبقى ثانويًا في عالم السِّياسة، فالناس تحكمها في النهاية مصالحها، لا مجرد الآراء التي يسمعونها أو يقولونها، قد يتعاطف كل غني مع الفقراء، لكنَّ هذا التعاطف لا يزيح مشكلة الفقر، وغالبًا ما لا يساير الأطباء أمزجة المرضى في تشخيصهم، وليس من وظيفة المرضى أن يملوا على أطبائهم ما يقولونه لهم، لكنَّ النخب الثقافية تتعرض في الشق السياسي كثيرًا للإملاء، حتى يعترف بها الجمهور، وهي حالة منكوسة في الشق السِّياسي.