بودكاست أثير مع فيصل القاسم
كثر الحديث عن اللقاء الأخير مع فيصل القاسم، الذي استمر لثلاث ساعات، بعامل تشويق عالٍ، إذ تحدَّث فيه عن حياته الشخصية وباح بحالته الأولى لأول مرة علانية، فذكر نشأته في عائلة مسحوقة طبقيًا، بما يشبه روايات مكسيم غوركي.
على أنَّه ينبغي على المتلقي ألا يقع في خطأ اعتبار اللقاء حديثًا منفصلًا عن مسيرة فيصل الإعلامية، أنَّه عفو الخاطر، بقدر ما يستحضر أنه حلقة واستمرار للمسيرة نفسها، بأدواته وتدريبه السابق، فهو ما أراد أن يوصله عن نفسه، وقد حقق مشاهدات عالية، بين تفاصيل حياته القاسية الأولى مرورًا بعمله في فرع قناة بي بي سي العربية حتى عمل في قناة الجزيرة بتصاعد يخدم الإيقاع الدرامي.
ورغم كلامه عن التأثير الثقافي لحلقاته، إلا أنَّ أمثلته المفضَّلة كانت من عالَم السياسة، واستشهد بكلمة نسبها إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي اعتبره أحد أفضل الرؤساء لأنه كان ممثلًا في السابق، والكلمة التي احتفى بها هي: “ليس المهم ما تقول، بل كيف تقول”، وهو متوقع في عالم السياسة التي تلعب فيها مصلحة الدولة الدور الأبرز، لا الحقيقة، وهو نفسه لم يكابر الاعتراف في أنَّ كل وسائل الإعلام أذرع سياسية للدول التي تحتضنها.
فلم ينكر الدور الذي لعبه في حلقاته، وإن كان فيها يستعمل حيلة تشبه الطريقة السقراطية بتسليط الأسئلة والاعتراضات على ما لا يريده سلفًا، والتساؤل بصورة أقل مع ما يريد تقريره، والمهم أن يحقق الانتشار، وإن كان بالوصول إلى الخطاب الشعبوي، الذي يحطم الوعي السياسي نفسه، لكنَّه يرمي المتلقي بالنفاق كونه يحب متابعة هذا الخطاب ويبتعد عن اللقاء الهادف.
فهو نزول إلى منطق الربط بين الانتشار والمحتوى، فعلى المحتوى أن ينزل إلى ما ينتشر، إنه يبيع سلعة بتعبيره، رغم أنه حاول التنصُّل من تبعات هذا في حياته الشخصية، وشبه نفسه ببابلو سكوبار، يبيع المخدِّرات لكنه لا يتعاطاها! ملمحًا إلى أنه لا يخرِّب الثقافة لأنَّ المثقفين لا يتابع التلفزيون!
وأمام مسؤوليته عن آرائه السياسية، كان يقدِّم اعتذارًا ميسورًا، كنتُ ساذجًا وأحمق، وهكذا تنتهي القضية عند كل رأي، كل رأي سياسي وانحياز لشخصية أو موقف، لم أكن خبيرًا حينها، وهو الذي قال بأنه تعرف على كلمة سياسة ولم يفقه معناها إلا في مرحلة الجامعة من حياته، وعلى ما يعتذر عنه فإنَّ عذر السذاجة استمر معه حتى ٢٠٠٧ في عدد من مواقفه، وأن يقول الناس عنك ساذجًا خير من أن يقال: لا مبدأ له، معادلة يمكن للجميع أن يعرفوا الجانب الأقل ضررًا فيها.