لو أراد الله المصانع، الجامعات، لخلقها مباشرة، لم نغيّر خلق الله؟ هو نفسه لو أراد الله أن يتعلم لخلقه متعلمًا من الأساس، لوظفه من الأساس، لخلق له بيتًا من الأساس، وهكذا، وعلى الأقل كازنيسكي استقال من وظيفته الجامعية ولم يستعمل الكهرباء، وعاش في كوخ، لم يستعمل أجهزة تقنية للترفيه، ولا بزّة وفق معايير حداثية للجمالية الرسمية، ولربما كان لكازنيسكي مشكلة حتى مع (آلة الحلاقة) فأرخى شعره ولحيته، لخصومته مع (المجتمع الصناعي) رغم أنه تناقض هو الآخر باعتماده على تصنيع العبوّات! أما حلّاق فلا يعنيه أي شيء، ويستمر بالإحالة على كتبه (المحفوظة بحقوق فكرية حداثية) (وأرباح خاصة به) و(لقب جامعي حداثي) كل هذا لا مشكلة فيه، وطلّابه الذين يدفعون ثمن تسجيلهم في المؤسسة (الربحية الرأسمالية).
ويصرّح بأنَّ “أي نقيض حداثي هو من أكثر الأشياء الإيجابية، حتى لو كان يظن أنه رجعي، الرجعي أحسن من الحداثة” تيد كازنيسكي لو كان حيّا لربما يسعده هذا التصريح فهو يفتح الباب (لتفجير الجامعات)، كذلك معلمّه جاك إليول، في (خرافة التكنولوجيا) حتى ولو كانت جموع اليمين الرجعي المتطرف، وحرّاس الهيكل، وأناركية، وأي منظمة معتوهة.
وهو نفسه لو تعرّض لتهديد سيكون أول المتجهين للقانون، متى أراد وظيفة يتجه للأوراق الثبوتية، يعيشون في تناقض صارخ، لكنَّ المهم أن يهجو ويتذمر، فقط.
لماذا أي شيء أفضل من الحداثة؟
يقفز إلى لغة حداثية في الحديث عن إحصاء مخاطر الاحتباس الحراري، الأمراض النفسية، الانتحار، يقول: اضرب على “جوجل” ستعرف! كل هذا من الحداثة، هو تابع لتعريفات المؤسسة الحداثية للجنون! أليس فوكو قد أسهب في هذا، في حديثه عن الأمراض النفسية، فالمثلية الجنسية كانت اضطرابًا ثم أضحت خيارًا كيف تجعل تصنيف المؤسسات الحداثية محل ثقتك ومعيارك وأنت ضد الحداثة؟ لا يهمه فلا يزال في (4) ساعات وقت طويل.
ويمكن لأي واحد أن يستعمل هذه الطريقة ضده، في ذكر إحصائيات القضاء على أوبئة مثل الطاعون، الخروج عن مخاطر الوفاة التي كانت تحيق بالولادة (40% من النساء كن يمتن أحيانًا بعد الولادة)، معدّل الأعمار، إلغاء طبقة العبيد، سرعة المواصلات، الكهرباء، إلى غير ذلك، على أنَّ حفلة التناقض لا تنتهي فيخوض في هجاء محبب إليه للطب، إنه قام لأهداف حربية، ولا أخلاقية، ربحية، والتطعيم كان في أساسه غير أخلاقي، والكمبيوتر كان في أساسه لأهداف حربية (على أساس علم الاجتماع الذي يحمل شهادته كان في أساسه لتوزيع الورود في إفريقيا) لكنه لما يسأله المقدّم عن أفعال بعض الولاة من العالَم القديم، يجيب: يحق للسياسيين أن يقوموا ببعض الأمور، غير الأخلاقية، لمصالح عليا! حقيقة تحفة.
فوضى في الأفكار، حتى إنه لم يجب على سؤال واحد مما قدّم إليه، مجرد إسهاب، وقفز، وتداخل، مع تناقضات صارخة، إلى جزئيات كثيرة مبنية على معلومات خاطئة، وليس في هذا أي سعي لتحويل رأي أحد من جمهوره، فمن يعجب بهذه الأفكار، حري به أن يبقى معجبًا بها، والاستمرار عليها.