قضاياه]]".
٦. بالإضافة إلى التصورات المغلوطة والأحكام الاعتباطية فإن المؤلف كثير التناقض، فيجعل مثلا من قول ابن تيمية بأن المنطق القديم كان سببا في اعتناق الفلاسفة للتصورات الإلهية اليونانية حكما دوغمائيا نابعا عن انحياز ابن تيمية المسبق إزاء المنطق [١١]، إلا أنه في خاتمة الكتاب يصرح المؤلف بأن جحود ابن تيمية للمنطق كان له آثار وخيمة على عقيدته [١٢]، وأن مراعاة الفلاسفة له -أي للمنطق- كانت سببا في تنزيههم الإله [١٣]! فهل هناك علاقة بين المنطق والتصورات الإلهية اليونانية؟ نعم ← لماذا يعاب على ابن تيمية إذًا تقرير هذه العلاقة؟ لا ← كيف يثبتها المؤلف إذًا في خاتمة كتابه؟ والحقيقة أن العلاقة هذه شديدة الوضوح بقطع النظر عن عقيدة المتلقي أو موقفه من عقائد الفلاسفة، كيف لا والمنطق القديم جزء من الفلسفة اليونانية والقروسطية؟
٧. يشوه المؤلف موقف ابن تيمية في مواضع كثيرة في كتابه، فيزعم أن ابن تيمية يستخف بالأحكام الكلية العقلية [١٤] ويحصر التصورات الإنسانية في الحس الظاهر والباطن متجاهلا دور العقل الإنساني [١٥]، مع أن ابن تيمية يؤكد على وضوح الحكم الجزئي المشاهد ويثبت في النص المنتقَد [١٦] القياس والاعتبار؛ وليت شعري هل هما من وظائف الحس أم العقل؟ وهذا كله راجع إلى اعتماد المؤلف سردية النشار كما مر، فالنشار يرى أن ابن تيمية كان اسميا متأثرا بالرواقية، الموقف الذي تبناه أيمن دون أي تمحيص! فالمهم عنده هو الدفاع عن المنطق البالي، والغاية تبرر الوسيلة!
٨. ولكن مهلا، ما مدى إطلاع المؤلف على المنطق الحديث وتاريخ المنطق القديم؟
• يكفي في بيان مدى علمه بالمنطق الحديث قوله: «وهذا الخلط بين النقيضين والضدين هو الذي أوهم الكثير من أصحاب ما يسمى بالمنطق الحديث أو متعدد القيم ببطلان هذا المبدأ الآرسطي البديهي [الثالث المرفوع]، وارتكبوا القول بإمكان ارتفاع النقيضين» [١٧]. أولا: هذا المسألة (الخلط بين الضد والنقيض) لا علاقة لها بنشوء منطق متعدد القيم. ثانيا: المبدأ الأساسي الذي يرفضه المنطق متعدد القيم هو مبدأ التكافؤ الثنائي Principle of Bivalence، لذلك هناك أنظمة منطقية متعددة القيم تقبل مبدأ الثالث المرفوع مع رفضها لمبدأ التكافؤ الثنائي. ثالثا: منطق متعدد القيم هو محاولة لإنتاج منطق بديل عن المنطق الحديث (الذي يسمى أحيانا بالكلاسيكي*)؛ فالناقد يخلط بين المنطق الرياضي الحديث الذي يقبل مبدأ الثالث المرفوع بالمنطق متعدد القيم! (بركات الآلة القانونية العاصم مراعاتها الذهن من الوقوع في الزلل!)
أما في بيان إطلاعه على تاريخ المنطق القديم، فيكفيك أن تعلم أن المؤلف يشيطن المدرسة الرواقية في مواضع كثيرة في كتابه، ثم تتفاجأ بأنه يقرر نيل التصورات غير البدهية بالرسوم! فالناقد لا يعلم أن مفهوم الرسم رواقي الأصل دخيل على الفلسفة المشائية [١٨]! ولو كتب أحدهم فيما دخل على فلسفة أرسطو ومنطقه من عقائد ميغارية ورواقية وأفلاطونية محدثة لما وسعه كتاب، فكيف يسعه منشور؟
وددت أن أعبر فقط في هذه المراجعة عن خيبة ظني في هذا الكتاب، ولعلي أكتب لاحقا منشورات أتعرض فيها لدقائق نقودات المؤلف، ولعلي لا أفعل؛ فأهم شي الصحة!
[١] ينظر: البيان والرد في صحة ما قاله ابن تيمية في مسألة الحد، يوسف سعادة، منشور على التلغرام: https://t.me/YousefST/78 [٢] التنبيهات العقلية على آراء ابن تيمية المنطقية: دراسة نقدية لكتاب الرد على المنطقيين، أيمن المصري، دار الدليل – كربلاء، الطبعة الأولى: 2023، ص ٦٥. [٣] ينظر: مناهج البحث الفكري عند مفكري الإسلام. [٤] التنبيهات العقلية، أيمن المصري، ص٦٢-٦٤. [٥] المرجع السابق، ص١٩٢، ص١٩٥. [٦] المرجع السابق، ص٦٣-٦٥، ص١٧١-١٧٥، ص٢٢٨-٢٣٠، ص٣٢١، وغيرها من المواضع. [٧] المرجع السابق، ص٢٢٨، ص٢٣٣-٢٣٤. [٨] المرجع السابق، ص٦٨. [٩] المرجع السابق، ص٧٦-٧٨. [١٠] المرجع السابق، ص٨٩، ص١٠١. [١١] المرجع السابق، ص١٠٣. [١٢] المرجع السابق، ص٣٣٧-٣٣٨. [١٣] المرجع السابق، ص٣٤٦-٣٤٨. [١٤] المرجع السابق، ص١١٩-١٢٠، ص٢٣٧-٢٣٨. [١٥] المرجع السابق، ص١٧٠. [١٦] المرجع السابق، ص١٦٩. [١٧] المرجع السابق، ص٢٣٤.
- ولا يقصد بالكلاسيكي هنا المنطق القديم التقليدي، بل المقصود هو المنطق الرياضي الحالي المعتمد، وسمي بالكلاسيكي لتمييزه عن محاولات بناء أنظمة منطقية مغايرة له تجمع تحت خانة «المنطق غير الكلاسيكي»، ومنها منطق متعدد القيم. [١٨] البيان والرد في صحة ما قاله ابن تيمية في مسألة الحد، يوسف سعادة، ص٤٨-٥٢.