حول المناظرة (7)
في الرواية يظهر موقف صريح، إذ إنَّ المرء ملزم ببيان موقفه فيها، ولو كان ابن شمس يتبنى موقف أحمد (241هـ)، فأحمد قد رفض أن يُعبّر عن خلافه على أنه مع (مبتدع) مع صاحب الشافعي (204هـ) الحسين الكرابيسي (248هـ) الذي قال بأنَّ لفظه بالقرآن مخلوق، فقال أحمد (241هـ): “هو الكافر، قاتَلَه الله، وأيُّ شيءٍ قالت الْجَهْميّة إلا هذا”، ولما عُرض الأمر على أبي ثور (240هـ) هجر الكرابيسي، وقال فيه مبتدع! “فغضب أبو عبد الله [أحمد] وقال: أيش مبتدع؟ّ! هذا كلام جهم بعينه” [1] أي لم يرض منه الاكتفاء بهذا الوصف، حتى يصرّح بتكفيره.
فأمكن لمعترض أن يقول عن ابن شمس إنه ميّع الخلاف، وهو يقول نهجر المبتدع والسلف قالوا في المبتدع، ويقول له: “أيش مبتدع؟!” كما قالها أحمد في كلام أبي ثور.
أم إنه لا يتبنى هذا القول؟ ويأخذ بقول أبي ثور ويخطئ أحمد؟ لا يصرّح بشيء في هذا، واللافت أنَّه على موقعه صحح إسنادًا رواه أبو نعيم الأصبهاني (430هـ) [والصورة في المنشور] على أنَّ الأصبهاني له كتاب في الرد على من قال بأن القرآن حرف وصوت، ويسميهم بـ(الحروفية) يرد فيه على ابن منده (395هـ) وهو مولع بتتبعه.
ويسميه أحيانًا بالمتأخر في غير هذه الرسالة، وكان ابن منده قد أخذ موقف أحمد من الكرابيسي وقال: هو ينطبق على الأشعرية [2]، فرد أبو نعيم، وقال: “الحروف والأصوات مخلوقة”[3]، فحين تقول: إسناد صحيح، ألست تعني هو ما نقله (العَدْل) الضابط عن مثله إلى منتهاه؟ فها أنت تعدّل أبا نعيم، وهو له رسالة مفردة في الحرف، ويسمي مثبتيه بالحروفية.
الشيء نفسه ينسحب على البيهقي (458هـ) وهو أشعري، ذكره ابن شمس الدين في موضع احتجاج في طرق حديث النزول على موقعه الرسمي، فلمَ لمْ يسحب الموقف عليه وهو القائل بأنَّ “الكلام هو نطق نفس المتكلم” وقال: “وكلامه ليس بحرف ولا صوت” [4] وهكذا.
فكيف وقد قال في المناظرة بأنَّ الخروج من السنة يكون بأقوال وأفعال المرء لا بآراء الناس، والغرض من هذا بيان اتساع الأمر، فلن يكون محصورًا في النووي، فعلام تخصيصه من بينهم؟ وإلا فأين الاتساق؟ أما أن تردد كلام أحمد في الكرابيسي، وتغضي عن أبي نعيم، ثم تطير به في النووي، وتغضي عن البيهقي، وقتها يضحي الأمر تحكمًا، أو تظهر الفرق، أو تبيّن موقفًا، فلم تكن بالخطة الذكية أن تنقل كلام بعض من سلف في المبتدع، دون مراعاة لما سبق التنبيه عليه، وبهذا يظهر بعد المناظرة عن وصفها بالعلمية. ودمتم بخير.
[1] تاريخ الإسلام، الذهبي، ج18، ص85. [2] بيان شبهة الحروفية، ويليه: نصان لابن منده، حققه: محمد مختار، ص79. [3] بيان شبهة الحروفية، ويليه: نصان لابن منده، حققه: محمد مختار، ص54. [4] الأسماء والصفات، البيهقي، ص262.