حول المناظرة (6)
خلال المناظرة يظهر أنَّ ابن شمس تحاشى التعرّض لقضية مهمة، وهي الحكم على النووي، هل يقول بإسلامه أم ماذا؟ فاكتفى بالحديث عنه بأنه “مبتدع” دون أن يبين درجة بدعته في ذلك سوى أنه قال بأن الخلاف في الصفات من أعلى الخلاف، وأنَّ السلف لهم موقف في التحذير والتنفير عن المبتدعة، على أنَّ المناظر إن لم يكن حسم موقفه وأعلنه، فعلى أي شيء يناظر، هل يناظر على مطلق البدعة فحسب؟
والناظر في كتب من سلف يجد أنهم لم يتعاملوا بطريقة واحدة مع من يرونهم مبتدعة، ونرجع إلى قتادة (117هـ) بما أنه سبق أن ضرب مثلًا، فقد كان هناك نقاش في الرواية عنه، قال علي بن المديني (234هـ) بأنه قال ليحيى القطان (198هـ) إنَّ عبد الرحمن بن مهدي (198هـ) قال: “أترك من كان رأسًا في البدعة، يدعو إليها” فقال القطان: “كيف يصنع بقتادة، وابن أبي رواد، وعمر بن ذر وذكر قومًا، قال يحيى: إن ترك هذا الصنف ترك ناسًا كثيرًا” [1].
وهذا فيه ثلاثة من كبار أهل الحديث، واحتجاج القطان بهذا يظهر انتشار خبر قتادة بينهم، وهذا يدل على أنَّ نقل قول عن السلف، لا يدل على أنَّه يمثّل كل الناس في زمنهم، فمن ترك الرواية عنه، لا يمثل من روى عنه.
وعلى سبيل المثال كان مالكٌ (179هـ) شديدًا على القدرية، فلا يرى أن يُكلموا، ولا يزوّجوا، ولا يجالسوا، لذا لم يروِ عن ثور بن يزيد الحمصي [وهو قدري لا ينفي العلم الإلهي]، رغم أنه جاء إلى المدينة، في حين روى عنه غيره، وكان مالك يرى أنَّ القدرية يستتابون وإلا قتلوا، كقول عمر بن عبد العزيز (101هـ) كما نص عليه في الموطأ.
بخلاف أحمد الذي قيّد هذا الحكم بنفي العلم، (أي: إنه يقول بإسلامهم إلا إن قالوا: الله لا يعلم أفعال العباد قبل وقوعها) ورأى الرواية عن القدرية، بل روى عن رأسها معبد الجهني، وكان يقول لو فتّشت البصرة لوجدتَ ثلث أهلها قدرية.
وفي وقت ما هجر العديد من المحدثين من يرونه على بدعة، ولا يروون عنه، وينهون عن الأخذ عنه وهذا ظاهر في قول سفيان الثوري (161هـ) بأنه ما كان يأتي حماد بن أبي سليمان (120هـ) إلا خفيًا من أصحابه، إلا أنَّ بعضهم كان يروي عمن قيل فيه، فالشافعي (204هـ) روى عن إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي (184هـ)، وقال فيه “أخبرني من لا أتهم” [2] أما أحمد فقال فيه: “جهمي” [3].
فلو نقل رجل قول الرافضين للرواية عنهم وقال هذا قول السلف، لأمكن أن يعارض بصنيع سفيان مع حماد، وإن قال السلف يروون عن القدرية، بحجة أنَّ أحمد روى عن معبد، أمكن أن يعارض بموقف مالك منهم وهكذا، والرواية أشدّ من غيرها، ففي غيرها قد يُظهر الواحد أنه قد يتوقف في الحكم على المسؤول عنه، ولا يصرّح فيه بإسلام أو كفر، ويقول أنا لا أحكم عليه، لكن في الرواية لا يمكن أن تصحح رواية في الحديث دون أن تكون حكمت بإسلام راويها، وكما ثبت عن ابن سيرين: إنَّ هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، وهذا يدفعنا للحديث عن بعض ما في الرواية.
يتبع…
[1] مسند ابن الجعد، ص164، الضعفاء العقيلي، ج1، ص8. [2] موضح أوهام الجمع والتفريق، البغدادي، ج1، ص371. [3] العلل ومعرفة الرجال، أحمد، ج2، ص535.