لا أحصي عدد المرات التي سمعتُ فيها من يتكلمون عن شخصية تاريخية سواءً اتفاقًا أو خلافًا كأنه أحدُ أقربائهم، يعرفونه حق المعرفة، بل قد يتقمصون شخصيته، أو شخصية أحد خصومه، فهم يعتقدون أنَّ الأمر متفق تمامًا مع ما يعتقدونه فيهم، رغم أنَّ الغالب على الشخصيات التاريخية الشهيرة أنه يتم (إعادة إنتاجها) عبر قرون طويلة من الحديث عنها.
وبدل أن تجعل هذه الشخصيات التاريخية موضوعًا للبحث التاريخي، بطريقة علمية تجيب عن أسئلة: كيف، وماذا، ولماذا، لتفسير أقوالها، وكشف ظروف مواقفها، وتلمس الباعث لما دفعها إلى أن تفعل أو تقول ما قالت، يتم وضعها في خانة (الجدل) فتضحي الأقوال المنسوبة إليها إما هي من (الحِكمة) أو (الشبهات) وبهذا تفصل عن سياقها التاريخي، وتضحي لا تاريخية، مادة للإفحام والإلزام المنفصل عن تاريخها الحقيقي.
هذه الطريقة تعني ضمنًا الاستغناء عن البحث التاريخي، والإصرار على مواصلة (إعادة الإنتاج) والمنافحة عما يتبناه القائل، لا إخضاعه للبحث والفحص، فتضحي الشخصيات التاريخية مجرد موضوع لتأكيد موقف المجادل دون أن يحوي كلامه على كشف واحد يساعد على الفهم.