الناس تتنفس (الكلام)!
بعد مدة من العمل على تاريخ الكلام، أتابع ما ينشر من نقاش وتصريحات فأجد أنَّ ما أبحث تاريخه قد بقي أثره في مختلف القضايا المطروحة في العالَم الإسلامي، وقد لا يعلم القائلون بأنَّ ما يقولونه من صميم تاريخ الكلام وتشكّل مقالات الفرق الأولى، وذا يتبع مشكلة ألا نكون فهمنا أنفسنا وتاريخنا الديني والثقافي، بل قد نعتبر البحث فيها عبثيًا وأزمة حنين إلى الماضي، كأننا تجاوزناه رغم احتكامنا لما هو امتداد له.
فمع حدث حرق المصحف في السويد، تعددت التصريحات، منها بيان مقتدى الصدر الذي شجب الفعل دون أن ينسى القول بأنَّ هذا مثل فعل بني أمية، يشير بهذا إلى حرق المصاحف زمن عثمان، ولم تتوقف المقارنات مع ذلك الحدث حتى استُحضر اسم السيوطي، وجر ذلك إلى نقاشات تتعرض لمباحث الأسماء والأحكام وغيرها.
وصرَّح الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بأنَّ ما حرق إنما هو نسخة من المصحف ليس القرآن، فالقرآن صفة الله، وهو جزء من نقاش قديم استعمل فيه مثال الحرق في تصوير المقالة، بأنه لو أحرق اسم الله فلا يحترق إلا المداد والورق، فهل الأسماء والقرآن مخلوقة أم لا!
وفي السودان، هناك من يقول: هو قتال فتنة يجب اعتزالها وكسر السيوف، آخر يشير إلى فئتين واحدة عادلة وأخرى باغية، آخر يقول الأمر يتبع المصلحة، وهو تابع لنقاش كبير في تاريخ الكلام يتبع الموقف من الحرب الداخلية بعد مقتل عثمان، وقد استحضرت المواقف طيلة الحروب الداخلية في تاريخنا.
من يظن أن الكلام انتهى لأنه تجاهله؟ فيحسب أن ما يحتكم إليه خالٍ مما أنتج في أول ٣ قرون من تاريخ الإسلام، رغم أنه يتنفسه في كل زاوية، فنحن أحوج ما نكون لفهم تاريخنا لفهم أنفسنا، فدون هذا تبقى المسألة تابعة لدوّامة الجدل والادعاء.