هناك صورة مثالية يبثها العديد من الفقهاء عما كانت عليه العدالة في المجتمع حين سادوا حينًا من الدهر، ولكنَّ الوقائع تنغّص عليها، جاء في حاشية ابن عابدين، في مسألة عزل القاضي بأخذ الرشوة في قضائه، بأنَّ لفقهاء الحنفية فيها أقوال، منها أنَّ قضاء القاضي نافذ سواء فيما أخذ فيه الرشوة أو لم يأخذ!
قال ابن عابدين: “وينبغي اعتماده للضرورة في هذا الزمان، وإلا بطلت جميع القضايا الواقعة الآن، لأنه لا تخلو قضية عن أخذ القاضي الرشوة المسماة بالمحصول، قبل الحكم، أو بعده، فيلزم تعطيل الأحكام” [1].
ثم قال: “وفي (الحامدية) عن (جواهر الفتاوى):
قال شيخنا وإمامنا جمال الدين البزدوي: أنا متحيّر في هذه المسألة، لا أقدر أن أقول تنفذ أحكامهم لما أرى من التخليط والجهل والجرأة فيهم، ولا أقدر أن أقول لا تنفذ، لأنَّ أهل زماننا كذلك، فلو أفتيت بالبطلان لأدى إلى إبطال الأحكام جميعًا، يحكم الله بيننا وبين قضاة زماننا أفسدوا علينا ديننا وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، لم يبق منهم إلا الاسم والرسم”[1].
فعلّق ابن عابدين: “هذا في قضاة ذلك الزمان، فما بالك بقضاة زماننا، فإنهم زادوا على من قبلهم باعتقاد حل ما يأخذونه”[1].
[1] رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، ابن عابدين، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد العوض، دار عالم الكتب، الرياض، 1423هـ-2003م، ج8، ص36.