بودكاست جورج صليبا

تابعت ما قاله جورج صليبا باهتمام، وينقسم كلامه إلى شق عليه شواهد تاريخية مثل كلامه في ضرب عبد الملك بن مروان العملة ونحو ذلك، وآخر قاله تخمينًا وافتراضًا مثل قوله بأنه حينما عرّبت الدواوين فإنَّ أبناء من استغني عن خدماتهم من الديوان ماذا سيعملون؟ رجعوا وترجموا الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية فهذا قاله تخمينًا من باب أنَّ من أعفوا لا بد أنهم قاموا بعمل ما، والمحك هو ما الدليل على هذا تاريخيًا؟

لاحظت أنه ينطلق من مفاهيم مسبقة مثل قوله بأن العربية والإسلام في التاريخ الإسلامي مندمجان، ويقصد بالعربية اللسان، فاشترك الفارسي والعربي والحبشي بالأمر، كأنه لا أثر للقوميات في العصور الأولى، وما قاله يخالف الشواهد التاريخية بأنَّ الدولة الأموية كانت ترفع من شأن العرب إلى درجة تسجيل حوادث للتفريق في الزواج بين العربية ومولى من أصل أعجمي، بأمر القاضي وتدخل الوالي، في حين اختلف الأمر في زمن العباسيين فارتفع شأن الموالي على العرب ومنهم الفُرس سجل في عدّة شهادات تاريخية، ومنها الحركة الشعوبية التي سعت إلى تقويض النفوذ العربي.

حتى في محاولة تفسيره للانحطاط العلمي، اختزل الأمر بسبب وحيد وهو وصول كولومبوس إلى العالم الجديد، وما أثر ذلك على الضعف الاقتصادي في المناطق الإسلامية والهند، وهذا السبب الوحيد يجعله يتجاوز تقييم مرحلة طويلة في المنطقة كأنه لا يد لها في الأمر، وبهذا يرجع السبب مرة أخرى للغرب، كأنه لا عوامل ذاتية.

وفي تقييمه للأفكار كانت طريقته غير دقيقة مثلًا لم تكن أفكار الغزالي معارضة للعلوم بحجة وجود نصير الطوسي بعده، دون ملاحظة لاختلاف المنطلقات والأفكار بين الاثنين، كتشيع الطوسي القريب من باطنية ابن سينا، وانتماء الغزالي إلى المتصوفة من أهل السنة، وما قاله يستقيم متى برهن على التسلسل بمعنى أن الطوسي بنى كلامه على الغزالي ونحو هذا، أما هذا القفز فمثله أن يقال: ألمانيا النازية لم تستعمل علمًا زائفًا ولم تعارض العلوم بدليل استمرار الابتكارات الألمانية أثناء الحرب العالمية وبعدها.

اللقاء جميل ومفيد، لكن ما قال بأنه يقدّم سردية بديلة لم تكن أكثر من نظرة القوميين العرب إلى درجة بعيدة للتاريخ الإسلامي، بتمجيده، وإطلاق بعض القوالب الجامدة عليه، التي لا تسعفها الأدلة والشواهد التاريخية.