صناعة الغربة…

خطاب الغربة مرتبط بشكل كبير بالعديد من التيارات، لإضفاء طابع التميّز على أتباعها، وإقناعهم أنهم يملكون طبيعة خاصّة تقترب بهم من الكبريت الأحمر! من باب أن المصلحين يجدون غربة في المجتمعات الفاسدة، والعباقرة مع العامة، والمبصر بين العميان.

على أنّ الغربة المنسوبة إلى المصلح والعبقري والمبصر مبنية على ثبوت الوصف فيه، في حين جرى التعامل مع وجود الغربة كعلامة على العلم أو البصر! رغم أن الاغتراب قد يكون لأسباب غير هذه، فالقتلة المتسلسلون، المصابون باضطراب ما بعد الصدمة، من يعانون مشاكل في التواصل، العنصريون، كلهم قد يشعرون بالغربة!

العديد من الكوارث عند هؤلاء التي دفعتهم لوصف حالتهم بالغربة، قد يجدها غيرهم غريبة، مثل ألا يعانوا من أي تمييز عنصري لكنهم متى لم يجدوا ممن حولهم تبجيلًا لهم كالملوك جعلوها غربة! مرورًا بظواهر مثل مجلس لا يكاد يختلف عن حلقة وعظ في مسجد يقولون هو عرس لأحد الإخوة ومتى عجب الناس من هذا، قالوا: غربة!

تقدّم أحد الإخوة ممن يحفظ ستة متون طويلة لخطبة بنت وأخبرهم عن حفظه، ولما سأله أهلها ماذا تعمل؟ قال: إنه يبيع بعض العطور الرخيصة، مع السواك يتكسب بذلك بعض النقود وعلى حسب المواسم فلما رفضوه قال هي غربة! كثير من معاني الغربة كانوا قد اصطنعوها بأنفسهم، جعلتهم يضيّقون عالمهم ويصغّرونه فوق صغره، كلما توحّدوا أكثر مع قناعاتهم كانوا يقللون عدد خياراتهم المتاحة، لينحصروا مع تلك الخيارات التي تتفق مع حساسيتهم المفرطة أمام كل موقف بوصفه غربة.