لا تفتح الباب، ففي الخارج عالم متوحش!

أقدّر أن العديد من رجال الدين يتمتعون بانعزال مضمون عن العالم، ما معنى هذا؟ قد يقفز معترض مسارعًا ويماحك في أنه لا يوجد لدينا رجال دين! صديقي المقصد أنه ذاك الذي يمكنه الحياة وهو منهمك في عمل ديني، نعم قد يكون ما يتلقاه قليلٌ جدًا، ويتحالف هذا القليل مع قناعاته بالزهد ويعيش، لكن هذا القليل يضمن له العيش، وهي ميزة غير موجودة في الإنسان العادي، لا يوجد له هذه الضمانة، كلامي هنا عن الهوامش في المؤسسات الدينية وإلا فقوة المؤسسات الدينية الاقتصادية شيء كبير، تبلغ أحيانًا ميزانية دول كاملة.

هذه العزلة تجعله يبني تصورات كثيرة مثل الاعتقاد بأنه يمكنه حل مشكلة الفقر، بالدعوة للإحسان، لسبب قد يكون نفسيًا بناء على طبيعة عيشه، قيل مرة: إنه لا يمكنك أن تشعر بما يختلج في نفس الأعمى بإغماض عينيك، لأنك ترتكز دومًا على أنه يمكنك فتحهما متى تريد، وهو الشعور الذي يفقده الأعمى من أساسه! ويتشارك مع هؤلاء بشيء من الجانب النفسي كبار الموظفين، والنخب الجامعية، كونهم يقدرون على فتح عيونهم متى شاءوا رغم محاولات إغماضهم تلك المشكورون عليها على كل حال!

واحدة من القضايا التي يفترض أن تكون مستحضرة وهي هل يمكن إقامة نظام دون تكلفة بشرية؟ هناك مفرطون بتقدير تأثير الأخلاق فيراهنون على أن هذا ممكن، وعند البحث معهم لا يوجد أدلة تاريخية تؤكد ما يذهبون إليه بقدر احتجاجهم بحاجتهم الروحية لهذا! غالبًا ما يكونون إما رجال دين أو نخبًا جامعية أو كبار موظفين! ويمكن أن يكون هذا تابعًا لظرفهم الاقتصادي حيثُ يمكنهم الارتكاز على قليل لكنه يكفيهم للعيش.

أما أولئك الذين يعيشون في الخارج، فيدركون أنه عالم متوحش، وأن التأثير المبالغ فيه للأخلاق يصعب الارتكاز عليه في عالم الصراع والتنافس الاقتصادي، لن تنتظر الفواتير والشيكات وضرورات الحياة إشارات من حركات الضمير، بل حتى مع وجودها-وهي مهمة بلا شك-كم نسبتها في التأثير في الواقع، كم نسبتها في إنقاذ إفلاس التجار، والجوع لمن لفظتهم عجلة الاقتصاد، نعم يمكنها أن تؤثر في دعم تاجر، تدفئة مشرد، إطعام جائع، لكن هذا بلا تأثير كبير على خطر ووجود الإفلاس والبرد والجوع! وبالتالي يبقى الأعمى بلا اعتماد على تلك القصص لعميان استيقظوا يومًا فإذا بهم يبصرون، ورغم محاولاته التصديق لكنه يقول في نفسه: إن صحّت، فإنها تبقى حالات استثنائية لا تشكّل قاعدة في مسيرة العميان.

التكلفة البشرية ستبقى ملازمة للاقتصاد، كتلازم القتلى للحروب، قد يستيقظ ضمير جندي فلا يطلق النار على الجبهة المقابلة لربما، لكن لا أحد يتوقع ذلك، ولا أحد يبني عليه خطة حربية، صديقي الذي لم يعجبه هذا الحديث: لا تفتح الباب، ففي الخارج عالم متوحش!